"البشت" يكسو "ميسي" فيعرّي الغرب

تاريخ النشر:
2022-12-22 11:02
أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يُلبِس ميسي البشت العربي خلال تتويج الأرجنتين بكأس العالم 2022 (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ستبقى حاضرةً لأجيال قادمة تلك اللّقطة التي رفع فيها "ميسي" كأس العالم وهو يرتدي "البشت" العربي، الذي ألبسه إيّاه أمير دولة قطر  المنظمة لبطولة كأس العالم، في مشهدٍ لافتٍ يُعدّ امتدادًا لما بدأته الدّولة المنظّمة من اللّحظات الأولى في استحضار الثّقافة العربيّة لتكون اللقطة الختاميّة طافحةً بهذه الرّمزيّة.

أمّا "البشت"، فهو تلك العباءة الرّقيقة الشّفافة التي يرتديها الرجل فوق ثيابه، وتمثل تتويجًا للشّكل العام للرّجل في الجزيرة العربية، ويبدأ لبس "البشت" من الأكتاف وحتى القدمين، وليست له أكمام، لكن له فتحتان من أجل إخراج اليدين من خلالهما، والطريقة المُتعارف عليها في لبس "البشت" في عموم دول الخليج العربيّ هي أن توضع اليد اليمنى داخل الكم الأيمن وتبقى في الخارج للمصافحة والسّلام، مع إبقاء اليد اليسرى في الدّاخل، وعدم إخراجها من الكم لتلملم أطراف "البشت" عند المشي والحركة.

وما إن رفع "ميسي" كأس العالم مرتديًا "البشت"، حتّى طار صواب وسائل إعلام غربيّة تعبّرُ عن منهجيّة تفكير الرّجل الأبيض تجاه غيره من شعوب الأرض.

قد يتفهّمُ المرء أن تستغربَ صحفُ الغرب ووسائل إعلامه الخطوة، فتسعى في التّنقيب عن دلالاتها، وهي التي صرعت رؤوسنا على الدّوام بأنّ كأس العالم فرصةٌ للتمازج والتنوّع الثّقافي بين الشّعوب، لكنّها لم تفعل، بل شنّت هجومًا يقطر من بين أنيابه سمّ الحقد الذي تكشفه المواقف الانفعاليّة.

ولو أنّ الغرب أنصفَ قليلًا، لتعامل مع المشهد كما هي دلالته في الثّقافة التي تكتسيها الدولة المضيفة؛ فعادة إهداء "البشت" أو العباءة يُطلق عليها في الجزيرة العربيّة "الخلعة أو التشريفة"، وهو مصطلح يُشير إلى الملابس الشّرفية التي قدَّمَها الحكام قديمًا بوصفها رداءً شرفيًا، ويتمّ إلباسها لمَن يُراد تكريمه وتشريفه غالبًا في حفل تعيين لمنصبٍ عام، أو في حفل تكريمٍ خاص، و يُقدم "البشت" كهدية قيّمة لها رمزية خاصة عميقة الدّلالة على التكريم والاحتفاء.

إنّ الهجوم الغربيّ على مشهد إلباس "البشت" للاعب الأرجنتينيّ "ميسي" لا علاقة له بعدم فهم معاني اللباس، أو بسبب الالتباس الثّقافي الذي حدث في تعاملهم مع اللّقطة، بل السبب الرّئيس والوحيد في ذلك هو الشّعور بالغيظ والحقد من تفوّق دولةً عربيّةٍ في تنظيم هذه البطولة العالميّة على الدّول الغربيّة.. هذا التفوّق التنظيميّ الذي شهدت به المؤسسات المختلفة وفي مقدمتها "الفيفا"، كما أنّ التفوّق كان لافتًا في مجال استحضار الثقافة العربيّة ورفض إملاء وفرض ما تريده القوّة الغربيّة من معايير الشّذوذ.

في اللّحظة التي لبس فيها "ميسي" "البشت" تعرّت القيم الغربيّة، فظهرت على حقيقتها في رفض قيم الاختلاف الثّقافي، وتجلّت في الأقوال الهجوميّة معاني ازدراء الآخر والانتقاص منه والحقد عليه ما لم يكن جزءًا من منظومة الرّجل الأبيض أو دائرًا في فلكها سابحًا في تياراتها متخليًّا عن ذاته ومنسلخًا من جلده لأجلها.

رغم هذه البشاعة في الهجوم الغربيّ، يغدو من المفيد جدًا أن يخلع الغرب قناعه القِيميّ بين فينةٍ وأخرى حتّى يتنبّه المنبهرون والغارقون حتّى آذانهم في عشق احترام الغرب لقيم الآخرين، ويفيق المصدّقون لشعارات التنوّع الأخلاقي والقيمي التي ما فتئ الغرب يضخّها في العالم حتّى توهّم كثيرون أنّ الغرب في تعامله مع الآخر هكذا فعلًا.

إنّ كشف القناع يقدّم خدمةً جليلةً في فهم أنّ حقوق الإنسان التي يرفعها الغرب تخصّ الإنسان الذي تصوغ المنظومة الغربيّة مفهومه، وهو الإنسان الغربيّ الذي يعيش في دول العالم الغربيّ وينتمي لثقافتها ولونها، أمّا غير هؤلاء فلا يندرجون تحت المفهوم في الحقيقة والواقع، وهذا يقدّم رسالةً بالغة الأهميّة في أنّ المنظومة القيمة في الإسلام التي تُعلِي من شأن الإنسان، كلّ إنسان مهما كان على اختلاف في العرق واللون واللغة والثقافة والاعتقاد وموطن الإقامة، هي المنظومة المؤهّلة لريادة العالم، الذي ما يزال يصطلي فيه الإنسان بكلّ نيران العنصريّة والتمييز رغم كلّ الشّعارات البرّاقة التي تغطّي الكرة الأرضيّة.

شارك: