مانشستر سيتي وغوارديولا.. ثنائية المجد!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-06-23 13:12
الإسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي الإنجليزي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

هل يمكن لنادٍ لا يمثل قوة عظمى على خريطة الكرة الأوروبية أن يكسر حاجز هيمنة الكبار، ويتوج نفسه زعيمًا على أعرق وأمجد البطولات الأوروبية يومًا ما؟

هذا السؤال ليس من بنات أفكاري، فقد جاءني عبر رسالة على حسابي الخاص بتويتر، ومن دون مساحة تفكير في الإجابة، قفز إلى ذهني فريق مانشستر سيتي الإنجليزي، ومدربه الإسباني ذائع الصيت جوزيب غوارديولا.

في تصوري أن الاثنين -النادي والمدرب- تكاملا معًا ضمن مشروع حيوي واحد انتصر لمبادئ الإدارة الرياضية الواعية، المتأنية غير المتسرعة، فكما كان النادي حريصًا على الدفع بمشروع الإدارة الرياضية بتأنٍ وصبر وبخطوات علمية مدروسة وموزونة، كان غوارديولا هو الآخر أساس الفريق الذي بناه وفق استراتيجية بعيدة المدى، تتفق أفقيًا وعموديًا مع اتجاهات عالم الإدارة الرياضية لنادي مانشستر سيتي.

ومشروع نادي مانشستر سيتي الإنجليزي مختلف بعض الشيء في عقليته؛ لكنه -للأمانة- يبدو نسخة طبق الأصل من مشروع برشلونة عام 2009 تحت قيادة الرئيس خوان لابورتا، ونفس المدرب (غوارديولا) بشحمه ولحمه.

وفي عالم الإدارة الرياضية يمكنك أن تضع المدرب أولوية قبل نوعية وأسماء اللاعبين داخل الملعب مهما كان وزنهم، على اعتبار أن شخصية المدرب عندما تطغى على نجومية اللاعبين يمكنها أن تخلق فريقًا متماسكًا ومتحدًا يسير بانضباطية، وبدقة الساعات السويسرية، وبربان ماهر يسير على خط واحد مع خيارات الرياح الفنية التي تأتي بما تشتهي سفن الإدارة الرياضية.

عندما بدأ مشروع الإدارة الرياضية في نادي مانشستر سيتي -وهو مشروع إماراتي بامتياز- مر في البداية بمجموعة منحدرات، وبمخاض عسير، وبأوقات عصيبة مع بعض المدربين، والسبب في ذلك نجومية اللاعبين الطاغية التي حشرت المدربين في زاوية حادة، فكان الاختلال داخل الملعب وخارجه واضحًا.

وعندما أيقن المسيرون لهذا المشروع -الذي كان هدفه الأساسي الفوز بدوري أبطال أوروبا- أن هناك شرخًا في العلاقة بين اللاعبين من جانب والمدربين من الجانب الآخر، استوعب هؤلاء المسيرون حقيقة أن شخصية المدرب تأتي في المقام الأول قبل نجومية اللاعبين.

سارع المسيرون إلى جلب الإسباني غوارديولا من بايرن ميونخ الألماني لتدريب الفريق قبل خمس سنوات، وبمشروع معدل تم تنقيته من الرواسب والشوائب السابقة، فتجلى في صورة إدارة رياضية يعرف فرسانها المكان الذي يتعين عليهم الوقوف فيه.

كان مشروع الإدارة الرياضية بالنسبة لإدارة مانشستر سيتي أساسه المدرب، عملًا بمقولة إن الطريق نحو النجاح الساحق يمر عبر بوابة اختيار مدرب مناسب ومبتكر وقوي الشخصية، ويُحسن اختيار اللاعبين وفق مردودهم واستعدادهم للاستماتة والتضحية، وليس وفق أسمائهم الرنانة.

خمس سنوات سمان بالنسبة لمانشستر سيتي محليًا استطاع من خلالها غوارديولا إحكام قبضة فريقه السماوية على مقدرات الكرة الإنجليزية إلى أن أزاح من طريقه مانشستر يونايتد وليفربول وأرسنال وتشيلسي.

حتى عندما تجرع السيتي الإخفاق الأوروبي لأربع مرات متتالية في عهد غوارديولا، لم تفقد الإدارة ثقتها في مشروعها مع هذا المدرب بل راحت تطبق سياسة الباب والغربال لمعالجة النواقص والاختلالات وسد الثغرات، ولأن الصبر مفتاح الفرج؛ فقد نجح غوارديولا في تدعيم فريقه هذا الموسم بالقطعة الناقصة هجوميًا النرويجي القوي إيرلينغ هالاند، فكافأته النتائج بأسرع مما كان يتصور.

صاغ غوارديولا فريقه من لاعبين شبان يتفجرون موهبة، قادرين على استيعاب طريقة لعبه المذهلة التي تجمع بين النتائج والأداء الخلاب الجميل، فكان كمن استنسخ رفاق (ميسي) برشلونة في مانشستر سيتي عبر كوكبة من اللاعبين المثابرين، وفي مقدمتهم بالطبع محور الوسط رودري نجم نجوم دوري أبطال أوروبا هذا الموسم.

ولأن غوارديولا يثق في أن توليفته الممزوجة من لاعبي الخبرة والشباب بلغت نضوجًا يؤهلها لإدارة كرة جميلة تسلب الألباب وتخطف الأنظار، فقد تحول السيتي بهذه الجوقة إلى فرقة موسيقية تعزف أجمل الألحان في أوروبا.

لا أعتقد أن هناك من كان يتمنى خسارة مانشستر سيتي لنهائي إسطنبول أمام إنتر ميلان الإيطالي، فقد انحاز الكل للكرة الجميلة لمانشستر سيتي الإنجليزي التي أعادت للأذهان زمان وصل برشلونة مع نفس المدرب.

وكما احتفى العالم بأسره في الإنجاز الهائل غير المسبوق الذي حققه غوارديولا في سن الثامنة والثلاثين مع برشلونة عام 2009، عندما فاز في موسم واحد بستة ألقاب هي: دوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية والدوري الإسباني وكأس الملك والسوبر الإسباني، يقترب غوارديولا نفسه من تكرار هذه السداسية التاريخية هذا العام مع مانشستر سيتي، وفي سن الثانية والخمسين.

وبعد تتويج غوارديولا بدوري أبطال أوروبا وتحقيق الثلاثية في إنجاز لم يسبقه إليه محليًا سوى المدرب القيدوم السير أليكس فيرغسون مع مانشستر يونايتد موسم 1998 - 1999، تبدو الفرصة الذهبية سانحة أمام غوارديولا للقفز على إنجاز فيرغسون؛ حيث تنتظره ثلاث بطولات أخرى هذا الموسم كفيلة برفع غلته مع السيتي هذا الموسم إلى ستة ألقاب، في حال فاز بالسوبر الأوروبي على حساب إشبيلية الإسباني في أغسطس القادم، والدرع الخيرية أمام مانشستر يونايتد مع بداية الموسم القادم، وأخيرا بطولة كأس العالم للأندية في السعودية أواخر هذا العام.

يمكن للأندية التي تبحث عن الوجاهة الإدارية الناجحة أن تفتش عن أسباب ومسببات النجاح في أروقة مشروع نادي مانشستر سيتي، لكن ليس قبل أن تتسلح بالواقعية وتلتزم بثقافة الصبر، لأن الصبر مثل اسمه مر المذاق، لكن عواقبه أحلى وأشهى من العسل.

شارك: