مَسعُود الزّنتُوني في قَصيدة للشِّاعرِ أحمد قنَّابة

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-07-09 14:42
كرة القدم ونجومها استحوذت على اهتمام العديد من الشعراء المعاصرين (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

هل نال لاعبو كرة القدم العرب المعاصرون حقَّهم من التَّغطية الإعلاميّة؟!

وهل حَظِي الشُّعراءُ العرب المعاصرون بما يستحقُّونه من الشُّهرة والانتشار قياسًا بِمَن سبقهم من الشُّعراء العرب على مَرِّ العصور؟

لماذا ننظر إلى الماضي بما فيه من أسماء شهيرة بعين التَّقدير أكثر من هؤلاء الموهوبين الذين يعيشون بيننا أو عاشوا في زمنٍ قريب من زمننا؟

لم ينل الشعراء المعاصرون حقّهم من الشهرة والانتشار، ربما لتقصير منهم أنفسهم، وربما لاختلاف الأجيال وميولها وطبائعها، فالشعر في الماضي كان ديوان العرب ومبعث فخرهم وسجل أيامهم ووقائعهم؛ لكنه اليوم تراثهم الجميل الذي يتعاملون معه بمَهابة وجلال، فقد حفظ لهم كثيرًا من الأخبار والأحداث التاريخية التي لا نجد عنها أي معلومة في أي مصدر آخر سوى الشعر العربي.

الفكرة التي أريد قولها هي أن الشعر لم يعد بمتناول كل الناس، في حين كان في الماضي أكبر وأهم وسيلة إعلاميّة لتناول القصص والأخبار بين القبائل والممالك العربية.

لا يمكن أن ننكر أن المواهب الشعرية اليوم وفي القرون الأخيرة عامّةً لا تُقارَن بتلك التي نبغت في الماضي ابتداءً من أيام الجاهلية مرورًا بعصر صدر الإسلام والعصر الأموي والعباسي والأندلسي والمملوكي والعثماني، انتهاءً بالعصر الحديث، فالمواهب الشعرية في القِدَم قائمة على التفرّد من جهة والتمرّس من جهة أخرى، أمّا اليوم فنحن في عصر مُشَتّتاته كثيرة ومتنوعة، ولسان العرب اليوم لم يعد كما كان في سابق العهد، فكثرة اللهجات وتعددها وابتعاد العرب عن اللغة العربية الفصحى قد أثر تأثيرًا واضحا في سليقة الشعراء المعاصرين.

ولا يعني ذلك الانتقاص منهم، فالشاعر ابن بيئته في النهاية، ولا بد أن يكتب بلسان قومه ومن حوله ليفهموا مُراده، كما أن الشعر اليوم موجّه إلى فئة تتذوق هذا الفنّ، ولا بدّ من الاعتراف أنّه لم يعد محطّ اهتمام جَمْعيّ كما كان.

ومن هذه النقطة ننطلق إلى الاعتراف بقلّة معارف الأجيال المتأخرة حول هذا الفن، وعدم اهتمامهم بتعقّب أخبار الشعراء وما يكتبونه، على أن الشعراء ما زالوا ينطلقون من مبدأ الإعجاب إذا ما قرروا أن ينظموا قطعة شعرية في مدح شخص ما، أو يطرّزوا قصيدة طويلة لذكر محاسن وبطولات شخص أو فرقة أُعجبوا بنجاحها وتفرّدها في مجال ما.

وعند الحديث عن الرجال من الشعراء، وهم أصحاب الغلبة في هذا الميدان؛ نجد أنّ اهتماماتهم -على بُعد العصور ومرور الأيام- واحدةٌ إذا ما أردنا قياسها باليوم، فالرياضة وألعاب القوى على اختلاف المصطلحات بين الماضي والحاضر من أكثر ما يهم الرجال ويجذب اهتمامهم، لذلك تَحدّث الشعراء القدماء عن الفروسية والبطولة والشجاعة وممارساتها كالركض والجري والرماية وقوة البنيَة وغيرها.

أما اليوم فصارت ألعاب القوى وألعاب الكرة على تنوعها مثل كرة القدم وكرة السلة وكرة اليد ومثيلاتها من أكثر ما يجذب انتباه الشعراء من الرجال.

مَن سمع بالشاعر المعاصر أحمد قنابة؟!

هو شاعر ليبيّ كبيرٌ، قُطب من أقطاب المدرسة الكلاسيكية في الشعر الليبي، إذا جاز التعبير، واسع الباع في الشعر وفنونه، عاش حياته في طرابلس الغرب، وعمل في مكتبة الأوقاف مطوّلًا، وكانت وفاته عام 1968م. جُمِعت أشعاره في ديوان واحدٍ وأُجريت حوله دراسات عدّة، كانت أشعاره متناثرة في الصحف والمجلات القديمة والحديثة، وهو شاعر أصيل، تلقّى علومَه الأولى في الحلقات في المساجد، كان نبيل الأهداف، رقيق الكلمة، غزير المعاني؛ لكنّه كغيره من الشعراء الموهوبين الذين لم ينالوا حظًا كبيرًا من الانتشار، فأثّر ذلك في أنفسهم وانعكس في أشعارهم حزنًا شفيفًا.

كان للشاعر أحمد قنابة اهتمام خاص بفئة الشباب وميولها، إذ يقول في إحدى قصائده مخاطبًا فئة الشباب:
حَيُّوا الشَّبابَ النَّاهِضَ الصِّنديدا          ***            فالحقُّ أصبحَ عُدّةً وعديدا

يُشِيدُ الشاعر بِهِمّة الشباب وقوتهم ويحثُّ على بنائهم بدنيًا ومعنويًّا، وكانت له اهتمامات رياضية كثيرة، كما كان مُعجبًا بمهارة لاعب كرة القدم الليبي الشهير مسعود الزنتوني، ولياقته وقدراته في ساحات كرة القدم، فكتب عنه بضعة أبيات شعرية معجبًا ومفتخرًا به؛ إذ قال: 

هَاتِ حَدِّث عن شَبابٍ
نافِرٍ باللَّيثِ أَشْبَه
***
هاتِ أيّاماً تَقضَت
هَاتِ مَسعوداً وصَحبَه
***
هاتِ ضَربَةَ رأسٍ
لم تكن ضَربةَ ركْبه
***
هاتِ أشبلاً رِياضِيِّين
ظَلُّوا خَيرَ نُخبَة
***
هاتِ تِلكَ الرُّوحَ إذ
يَسمو بِها الإبداعُ حِقبة

كان اللاعب مسعود الزنتوني من أشهر لاعبي كرة القدم في الفِرق الرياضية الليبيّة، ويُعدُّ من أوّل وأبرز المؤسسين للحركة الرياضية في ليبيا، وكان معاصرًا للشاعر، بل أصغر منه، فقد تُوفّي مسعود عام 1994م، وهذا ممّا يُحسب للشاعر واللاعب كليهما، فلولا مهارة مسعود وتميزه لما لفت انتباه شاعرٍ معاصر إليه وحَفّزه حتى يكتب عنه وعن جمال أدائه وبراعته.

وهكذا يبقى الشعر العربي على مر العصور ديوان العرب وأيامهم وسجل وقائعهم واهتماماتهم، ببريقه الأخّاذ وسحره الفريد، متوهجًا لامعًا في سماء العروبة.
 

شارك: