قَصِيدَةُ عُمر فروخ "فكُن فينا رياضيًا"

2023-03-12 13:05
أرشيفية لأطفال يرتدون قمصانًا رياضية (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لَطَالَما اعتمدت المناهجُ التعليميةُ والتدريسية على الشِّعر الغنائي والأناشيد؛ لترسيخ الأفكار الإيجابية والثوابت في أذهان الأجيال الناشئة، لا سيّما في مرحلة التعليم الابتدائي؛ إذ يميل الأطفال إلى حفظ الأشعار البسيطة بوصفها أناشيد تُحاكي عقولهم واهتماماتهم بكلمات بسيطة وقريبة إلى مداركهم ومعارفهم.

ويميل المدرّسون والأهالي إلى اتّباع أسلوب الغناء والتلحين لتحفيظ أبنائهم كثيراً من المعلومات التي ينبغي لهم أن يكتسبوها، ولترسيخ كثير من المبادئ التي يجب أن تصبح من ثوابت الشخصية لدى كلِّ طفلٍ، أي ممّا لا نقاش ولا جدال فيه أو حوله.

لذلك نجد كثيراً من الأمهات يُلحِّنون ما لا يقبل التلحين، ويُغنّون ما لا ينسجم مع أي وَزْنٍ موسيقيٍّ أو لحن غنائي، بأسلوب لطيف لتعليم الأطفال وإغرائهم بالحفظ والتكرار، وإشعارِهم بالمتعة، وإشغالهم بالتعلّم في أثناء اللَّهو واللّعبِ.

وهذا هو الأسلوب والنَّهجُ الذي تقوم عليه كثيرٌ من دروس اللغة العربية في مرحلة ما قبل دخول المدرسة؛ أي ما يُعرف بالرَّوضة أو الفئات، وفي المرحلة الابتدائية أيضاً، ولعلّ معظمنا ما يزال حتى اليوم قادراً على ترديد بعض الأهازيج والأناشيد التي حفظها في طفولته سواء في البيت أو في المدرسة، ولعلّ كثيراً منّا يذكرون حِصّةَ أو درسَ النّشِيد تحديداً، فقد كانت الأناشيد عبارة عن قصائد بسيطة ومحبَّبة، وموضوعاتها ممّا يعني الأطفال وَفقاً لأعمارهم واهتماماتهم وممّا يناسب البيئة المحيطة بهم.

ومن تلك الأناشيد الباقية في الذاكرة قصيدة للشاعر عمر فروخ، يتحدث فيها عن أهمية الرّياضة للإنسان وما يجنيه ويكتسبه من ممارستها بانتظام من فوائد كثيرة وجَمّة.

والشاعر عمر فروخ كان أديباً لُبنانياً مَعنِيّاً بالدّفاع عن اللغة العربية الفصيحة على الرغم من دراسته في جامعات أجنبية عدّة، إلا أنه كان ممّن نادوا بالحفاظ على استعمالها برونقها الفصيح في مجالات الحياة كلّها بوصفها لغة للخطاب في الإذاعة والتلفاز والصحافة.

يقول الشاعر عمر فروخ في قصيدته عن الرّياضة:
أَعَزُّ الأُسدِ أَمْنَعُها عَرِينـا         ***          وأَشْجَعُها إذَا لَاقَت قَرِينـا 
وَأَوسَعُها صُدوراً في نِزالٍ         ***          إِذَا ضَاقَت صُدورُ النَّازِلِينَـا
سَبيلُكَ فِي الْحَياةِ سَبيلُ جِدٍّ       ***      فلا تَتْبَعْ سَبيلَ الْهازِلينا

يريد بالأسودِ هنا الشَّباب، ويقصد الأوطانَ بالعَرين، فكيف للشباب أن يحافظوا على أوطانهم ويدافعوا عنها إن لم يكونوا كالأُسُدِ شجاعة وبَسالةً وجرأةً وقوّة؟ لا سيّما حين يُهدّد الأعداءَ أَمنَ أوطانهم وأمانهم.

يُحمّسُ الشاعرُ الفتيان والشباب ويدعوهم للحفاظ على أجسادهم قوية قادرة على تحمّل المتاعب والمواجهات البدنية إذا ما اضطروا إليها يوماً ما، ثم يرشدهم إلى السبيل الذي سيحققون بوساطته ذلك؛ إنه الابتعاد عن الهزل والمزاح في الشؤون والقضايا المهمة، والتركيز عليها بجدٍّ، ويكون ذلك عن طريق الحرص على ممارسة الرياضة بلا شك! لأن الرياضة تكسِب المرءَ قدرة بدنية عالية وتركيزاً وصفاء ذهنياً مميزاً.

ويكمل الشاعر قصيدته ليصل إلى جوهرها وغرضها الأساسي؛ وهو الحث والتحفيز على ممارسة الرياضة، فيقول:
فَحَيِّي مَعي الرّياضَةَ إِنَّ فيها       ***       فَوائِدَ لِلشَّبابِ الطّامِحِينا 
تُزَوِّدُهم بِأَجسامٍ شِـَـــــــــدادٍ         ***          وتَغرِسُ فِيهم الخُلقَ المتِينَـا 
وتَبعَثُ فيهم رُوحاً شَريفاً         ***         فَيلْقَون المتَاعِبَ باسِلينَا 

يُوصِلُ الشاعرُ عمر فروخ فكرتَه للفتيان والناشئة بأسلوب شعريٍّ لطيف؛ إذ يطلب منهم أن يُحَيُّوا الرياضة، وهو أسلوبٌ قريبٌ من أفكار الشباب وتصرفاتهم إذا ما أحبّوا شيئاً وأرادوا الإشادة به، ثم يعرض ويعدّد لهم بعضاً من فوائد ممارسة الرياضة بألفاظ مألوفة وجملٍ بسيطة بعيدة عن التعقيد والتكلّف، فهي سبيلهم لبناء أجساد قوية والتمتع بأخلاق كريمة.

ويتابع الشاعرُ قصيدتَه ليصل في نهايتها إلى توجيه أمرٍ صريحٍ ومباشر للشباب، يَحُضُّهم فيه على أن يكونوا رياضيّين أقوياء، إذ يقول: 
فَكُنْ فِينا رِياضِيًّا قَوِيًّا           ***          وَكُنْ في الأرْضِ إِنسَانًا مُعِينا
هُنالِكَ نَبلُغُ العَلياءَ زهـوَاً        ***        ونَرفَعُ رَأسَنا في الرَّافـِعـِينـا

يريد بذلك أن يؤكّدَ أنَّ القوّةَ أمرٌ مطلوبٌ للشباب، والقوّةُ تتحصّل بالرياضة، فَحَرِيٌّ بنا ألّا نُهمِلَها، بل أن نستعين بها لنواجه ما قد نتعرّض له من صعوبات في الحياة على الصعيد الشخصي، وعلى صعيد الوطن والأمّة، فالشعوب القويّة خير من الضعيفة، وتبقى مُهابة الجانب على الدّوام في وجه من يترصّد أَمنها وسلامها.
 

شارك: