الكابتن جوزيف بين دراما الواقع المأسوي وبلد النهايات الموجعة

تحديثات مباشرة
Off
2023-09-26 19:27
الكابتن واللاعب جوزيف شهرستان (Facebook/profile.php)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يتقاطع الأدب برفعة مزاجه وإرثه البليغ بوضوح لافت مع كرة القدم، ويعبّر أعلام الأدب في العالم كلّه عن الغاية الإنسانية والأخلاقية العاتية لهذه اللعبة، بينهم: نجيب محفوظ وميلان كونديرا وأمبرتو إيكو وباولو كويلو وخوسيه ساراماغو ويفتوشينكو ومعروف الرصافي، لكن تلك ليست سوى نماذج لعلاقة مبدعي الأدب بكرة القدم.

أما على أرض الواقع، فقد سبقت النتائج الصورة الرومانسية بأشواط، وحققت "لعبة الفقراء" إذهالًا حقيقيًا يوم تمكّن أسطورة الكرة البرازيلية بيليه -بحسب مجلة «التايم» والسيرة الذاتية للنجم الأسمر- من تحقيق هدنة في حرب الانفصال النيجيرية الدامية سنة 1967.

بينما وجّه ديدييه دروغبا، لاعب منتخب ساحل العاج وأسطورة نادي "تشيلسي"، نداءً إلى شعبه عقب تأهل بلاده إلى كأس العالم عام 2006 لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات. وبالفعل، انتهت الحرب بعد ذلك النداء بستة أشهر.

فيما كتب ذات مرة ألبير كامو الذي لعب الكرة وولف بينها وبين الأدب: "بعد سنوات طويلة، أتاح لي فيها هذا العالم خوض تجارب عديدة، توصلتُ إلى قناعة مفادها -حسبما عشت- أن ما أعرفه عن الأخلاق وواجبات الرجال، مدينٌ بكلّه لكرة القدم".

لعلّ الفيلسوف العبثي والمسرحي الفرنسي لم يكن يعني في مقولته الذهبية تلك سوى مستطيلات السحر، بعيدًا عن منطق إدارتها من قبل منظّمات تخضع لأهواء السياسية العالمية وحمى المصالح للقوى الحاكمة فيها!

كلّ ذلك سيذهب أدراج الريّاح ولن ينتبه له أحد عندما تصل الأمور إلى الرياضة السورية! فالمشهد الذي ينسف كلّ ما حكى عنه الفنانون والأدباء حول العالم، ويؤكد منطقية تدوير القاعدة اللامعة بأن: "كرة القدم دراما خالصة"، سيسطع في شوارع سوريا المتهالكة، وفق مأساة واقعية موجعة بطلها "مشرّد" في أحياء العاصمة دمشق، لا يملك ثمن رغيف خبز.

وقد أجري معه حوار إعلامي قبل بضعة أسابيع ليعرّف عن اسمه: جوزيف شهرستان؟ ولمن لا يعرف فقد كان الرجل السبعيني اليوم واحدًا من ألمع لاعبي «الفوتبول» في تاريخ سوريا، ونجم الكرة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وقد برز بكأس فلسطين التي أقيمت في ليبيا سنة 1973، وفي تصفيات كأس العالم عام 1974 في إيران، وكان هدّافًا للدوري السوري آنذاك! من أبرز إنجازاته، تسجيل هدفين في مرمى منتخب مصر، لتعنون الصحف المصرية آنذاك: "لاعب سوري لا برازيلي يتلاعب بالدفاع المصري".

وقد أطلقت عليه الجماهير ألقابًا مثل "النفاثة" أو "الديزل" لسرعته العالية، كما سرى عليه اسم "الفهد" تيمنًا بالنجم البرتغالي الراحل أوزيبيو.

ولعب في الـ15 من عمره لنادي الشباب الدمشقي وذلك عام 1960، واهتمت فيه الصحافة العربية على رأسها مجلة "الصقر" القطرية الرياضية. 

في عام 1967، فاز الجيش ببطولتي الدوري والكأس، وحصل شهرستان الذي انتقل إلى صفوفه لاحقًا على لقب هداف الدوري برصيد 23 هدفًا، ثم حصد مع ناديه بطولة الدوري في العام التالي.

وكان هداف الدوري وكأس الجمهورية، وسجل ثمانية وعشرين هدفًا، ولم يكمل فريقه الدوري في عام 1969 بسبب ارتباطات الجيش بمباريات خارجية، وخاض مع الجيش بطولة الجيوش العربية وفاز فيها عام 1969، وتصدر الهدافين بسبعة أهداف، ولعب مع المنتخب الوطني منذ عام 1966.

لكن اليوم لم يبق من كلّ ذاك المجد شيئًا بل صار مجرّد رجل مسن يفترش الأرض بلا مأوى ولا سند، ولا يقوى على المشي كثيرًا بسبب عطب في ركبتيه نتيجة الإصابات القديمة! وقد طالب في لقائه كل القائمين على الرياضة في سوريا بدعم لاعبي ونجوم الكرة في سوريا ورعايتهم طبيًا، حتى يتمكّنوا من إكمال حياتهم، خاصة أنهم أسهموا بإعلاء كلمة بلادهم سابقًا.

لكن لا حياة لمن تنادي ولم نسمع لاحقًا عن أي عناية أولتها الإدارات الرياضية في سوريا للاعب السابق أو غيره، رغم تناقل الصحف والمواقع الإلكترونية خبرًا عن "فهد" الكرة السورية الذي وصل به الزمن إلى التشرّد، بعد أن اضطر إلى إخلاء بيته لعدم قدرته على تسديد الإيجار! وشرح عن ذلك في اللقاء وما تعرّض له من خذلان عندما عاد إلى بيته فوجد أغراضه قد رميت خارجًا، وغيّر صاحب البيت قفله دون حسيب أو رقيب!

وقد جعلت المقابلة النجم السوري أيمن زيدان يعلّق عبر صفحته على "الفيسبوك"، ويكتب: "للأسف إنها بلد النهايات الموجعة… جوزيف شهرستان الكابتن واللاعب الذي شكل جزءًا من ذاكرتنا يتحدث بحرقة شديدة… حوار مليء بالوجع والسخرية والمرارة…تبًا لأمة بلا ذاكرة".

شارك: