الحضور الرياضي في الشعر العربي

تحديثات مباشرة
Off
2023-06-11 15:23
علاقة كبيرة جمعت الرياضة بالشعر العربي (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

قد يبدو غريباً بعض الشيء لكثير من الناس أن يكون للرياضة حضور في الشعر العربي؛ لكن البيئة العربية منذ عصر ما قبل الإسلام؛ من العصر الجاهلي، تُجبر المرء على ممارسة الرياضة وحبّها، فلا مفرّ من التمتع ببُنية بدنية قوية وسليمة، مرنة ومتينة في الوقت نفسه، تُعين صاحبها على مواجهة ما قد يحدق به من أخطار مختلفة، كالأخطار التي قد تباغته من حيوانات البيئة الصحراوية في شبه الجزيرة العربية، وغيرها في أماكن وبيئات مختلفة ومتنوعة، والأخطار المتمثلة بالحروب والغزوات التي كانت تضطرهم لها الحياة، فحياة القبائل والبدو والرُّحَّل منذ قديم الزمان لا تستقيم لمَن لا يقدر على الدفاع عن نفسه وأهله وعشيرته، وإلا فإن الذلّ مصيره والمهانة عاقبته.

ومن هذا الباب دخلت الرياضة إلى الشعر، فأهميتها نابعة من أهمية الوجود؛ وجود الإنسان وهويته واستحقاقه المكانة المرموقة بين بني جنسه.

أثبت كل الحكايات التي سمعناها في طفولتنا من جداتنا وأمهاتنا وأهلينا، وكذلك القصص التي شاهدناها في برامج الأطفال ونشأنا على قيمها وأفكارها؛ كلُّها أثبتت لنا دائماً أن القوي بالحق محبوب، وقوي النفس لا بد أن يكون قوي البُنية، مع استثناءات بسيطة، وأثبتت لنا أن الضعيف عامة غير محبوب من ذويه وأقرانه وأصحابه.

لذلك رأينا حديث الرياضة حاضراً في الشعر العربي القديم حضوراً حقيقياً مستمداً من ضرورات الحياة وأسبابها، فجاء ذكر الرياضات الأكثر شهرة آنذاك؛ كالرماية وركوب الخيل، ومع الزمن حضرت الرياضات الأخرى في الشعر لارتباطها بالحياة وتعلّق كثير من الناس بممارستها، فحضرت السباحة والملاكمة وكرة القدم حضوراً واسعاً على مرّ العصور، ابتداء من العصر الجاهلي فالإسلامي تتابعاً إلى العصر الحديث، حتى رأينا حضور أحاديث الرياضة في الشعر المعاصر تماشياً مع الأحداث الرياضية التي نعيشها في وقتنا الراهن.

 كنا نرى حديث الرياضات في أبيات شعرية ضمن قصيدة طويلة، ثم تطور الأمر فصرنا نجد قصائد نظمها أصحابها في موضوع الرياضة فحسب، بل للحديث عن نوع واحد من أنواع الرياضات فقط، وبذا صار من الممكن وبكل جرأة وثقة أن نتحدث عن الشعر الرياضي في أشعار العرب منذ الجاهلية حتى يومنا هذا.

فلننظر معاً إلى قول الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد مفتخراً بقوته وجسارته:

صَمتُ الحيشَ حتّى كَلَّ مُهري         وعُدتُ فما وَجدتُ لهم ظِلالا

راحت خَيلهم من وَجه سَيفي         خِفافاً بعد ما كانت ثِقالا

تدوسُ على الفوارس وهي تعدو         وقد أخذتْ جَماجمهم نِعالا

فالقوة والشجاعة ورباطة الجأش في العصر الجاهلي محلّ تقدير عظيم قياساً بأيامنا هذه، مما جعل عنترة أسطورة شعر وحرب في آن واحد. لكن مثل هذه الأبيات الشعرية نجدها ضمن قصائد طويلة ذات موضوع مختلف كالمدح أو الفخر أو الغزل، فلننظر إلى قول الشاعر الجاهلي أوس بن حجر الذي تحدث في قصيدة موضوعها الغزل عن قوسه مفتخراً بها، وهو والشّمّاخ أشهر من صوّر القوس وافتخر بها.

يبدأ أوس بن حجر قصيدته الغزلية بقوله:

صَحا قلبُه عن سُكرِه فتأمّلا         وكان بذكرى أمّ عمرو مُوكّلا

ثم بخلص إلى الحديث عن قوسه والافتخار بها، فيقول:

ومَبضوعةً من رأس فرعٍ شَظِيّةً         بِطَودٍ تَراه  بالسّحابِ مُجلّلا

على ظهر صَفوان كأنّ مُتونه         عُلِلن بدُهن يُزلق المتنزلا

ويأخذنا في هذا الشرح البديع إلى بداية تكوّن هذه القوس التي أحبها وتعلق بها وجعل لها قسماً كبيراً من أشعاره، فقد كانت محض عود في شجرة نبع، ثم يغرق بالوصف فيحدثنا أن هذه الشجرة نبتت في جبل عال محاط بالسُّحب، يريد من ذلك أن يلفت انتباهنا إلى أنها من عود صعب المنال، فلا قدم يمكن لها أن تثبت على صخر مدهون، فالانزلاق مصيرها، مما يعني أن شاعرنا صاحب قوس فريدة لا مثيل لها.

وهكذا نرى أن رحلة الرياضات في الشعر العربي أوسع من أن يحاط بها ببساطة ، ولنا لقاءات ماتعة في المقالات القادمة بإذن الله.

شارك: