ديشامب يفشل في معادلة الأسطورة بوتسو
كان ديدييه ديشامب، الأحد، على ملعب لوسيل شمال الدوحة، قاب قوسين أو أدنى من أن يدخل التاريخ، لكن ركلات "الحظ" الترجيحية أمام الأرجنتين حرمته من أن يصبح ثاني مدرب فقط في تاريخ كأس العالم يتوج باللقب مرتين.
قائدُ كتيبة اللقب الأول، ومُهندس مسار الثاني، والعقلُ المدبّر لاستراتيجية رفع كأس ثالثة، كان ديشامب على أعتاب كتابة تاريخ جديد للكرة الفرنسية التي اعتادت في عهده على الانتصارات.
تحوّل مشوار فرنسا في نهائيات كأس العالم قطر 2022 إلى انتصار لديشامب بالذات؛ إذ إنه بوصوله إلى النهائي للمرة الثانية توالياً، حقق فوزاً أول على أولئك الذين اعتبروا أنه بقي طويلاً في منصبه.
بتبديلاته الأحد، وبتألق الرائع كيليان مبابي الذي سجل الأهداف الـ3، نجح ديشامب في إعادة فريقه إلى أجواء اللقاء، بعدما كان متخلفاً (0-2) حتى الدقيقة 80.
إنجازات ديشامب بوصفه لاعبًا ومدربًا
فوزٌ على منتخب مغربي طموح في نصف النهائي منحه بطاقة الحضور في النهائي، وفرصة أن يصبح أول مدرّب منذ 60 عاماً ينجح في الدفاع عن لقبه منذ المدرّب الإيطالي الداهية فيتوريو بوتسو في الثلاثينيات، لكن ميسي ورفاقه حرموه من هذا الإنجاز.
بات "العتّال" أو "حامل المياه"، كما استخف به يوماً مواطنه النجم السابق إريك كانتونا، صاحب دور محوريّ في مركز لاعب الوسط الدفاعي مع "الديوك"، ثمّ أصبح مدربا للمنتخب وسيّد قراره بالبقاء في منصبه الذي يشغله منذ 10 أعوام، أو الرحيل بعد البطولة.
عُيِّن ديشامب مدرباً للمنتخب على أنقاض فشل مونديال جنوب أفريقيا 2010، وبعد الاستغناء عن خدمات لوران بلان الذي أمضى عامين مع "الديوك"، قاد الديوك إلى قمة الكرة المستديرة باللقب العالمي الثاني في مونديال روسيا 2018، عقب خسارة نهائي كأس أمم أوروبا 2016 على أرضه أمام البرتغال (0-1).
ولكن منذ التتويج الروسي تراجعت نتائج فرنسا، مع إقصاء فجائي من ثمن نهائي كأس أمم أوروبا 2021 أمام سويسرا بركلات الترجيح (5-4)، بعد التعادل (3-3 في الوقتين الأصلي والإضافي)، رغم عودة كريم بنزيما من العزلة الدولية.
لكن المفارقة اليوم في موضوع بنزيما غريبة بعض الشيء. فالبطولتان الوحيدتان اللتان لم يصل فيهما ديشامب إلى النهائي (مونديال 2014 وكأس أوروبا 2021)، كانتا بوجود نجم ريال مدريد الإسباني في التشكيلة.
أما في مونديال قطر، الذي غاب عنه بنزيما جسدياً قسراً؛ بسبب الإصابة في تدريبات ما قبل الانطلاق، كان لا يزال اسم أفضل لاعب في العالم موجوداً على الورق. وفي غيابه برز أوليفيه جيرو بشكل مذهل؛ إذ سجل المهاجم المخضرم 4 مرات في مونديال قطر، بما في ذلك هدف الفوز ضد إنجلترا.
نصائح بدلاً من العمل الشاق
قرر ديشامب قبل البطولة أن يتخلى عن تجربته مع دفاع مكون من 3 لاعبين، ويعود إلى طريقة 4-3-3. والأهم من ذلك أنه حلّ معضلة خط وسطه من خلال تحويل المهاجم أنطوان غريزمان إلى أحد أفضل صانعي الألعاب في البطولة.
كان لاعب أتلتيكو مدريد الإسباني متألقاً مرة أخرى ضد إنجلترا والمغرب، رغم تراجع لياقته مع انطلاقة كأس العالم، ومن دون أي هدف دولي منذ أكثر من عام.
وقال النجم الأسبق لـ"الديوك"، الذي ظفر بكأس العالم 1998 إلى جانب ديشامب، دافيد تريزيغيه لوكالة فرانس برس: إن المدرّب "على دراية بجودة لاعبيه ونجومه، في كأس عالم يحتاج نوعاً ما إلى القليل من النصائح بدلاً من الاضطرار إلى القيام بالكثير من العمل الشاق". وأضاف أن "ديشامب فهم لاعبيه، وتمكن من إقناعهم جميعاً ببذل أقصى ما في وسعهم".
هناك هالة حيال اللاعب السابق، البالغ من العمر 54 عاماً، والذي يرتبط اسمه بأعظم لحظات المنتخب الفرنسي على مدار ربع القرن الماضي.
كان ديشامب قائداً للمنتخب الفرنسي في أول لقب مونديالي في العام 1998، وحصد بطولة كأس أوروبا في العام 2000، قبل أن يظفر بالمونديال مدرّبا في روسيا قبل 4 سنوات.
وسجلّ المنتخب الفرنسي في البطولات الكُبرى مؤخراً بشكل هائل. فقد فازوا باللقب مرتين في النسخ الست الماضية من كأس العالم، وبلغوا النهائي مرتين من دون الفوز في مونديال 2006 و2022، حين خسروا في المناسبتين بركلات الترجيح.
قادهم ديشامب أيضاً إلى نهائي كأس أوروبا 2016، وكان قاب قوسين، الأحد، في جعلهم ثالث منتخب في التاريخ يُدافع عن لقبه بنجاح بعد إيطاليا 1934-1938، والبرازيل 1958-1962.
يقول مساعده غي ستيفان: "إنه هادئ للغاية. أعدّ لهذه المنافسة بشكل جيد"، وأضاف: "كان يعرف بالضبط ما يريد القيام به. لديه خبرة بالبطولات الكبرى، وهذه الخبرة تفيد المنتخب".
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، أين ستذهب الأمور مع ديشامب؟ هل سيبقى في المنصب أم سيتخذ قرار الرحيل والبحث عن تحد آخر أو ربما الاستراحة لبعض الوقت؟