السعي بين الصّفا والمروة رياضةٌ روحيّةٌ وبدنيّة
"إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ" هكذا بيّن ربّنا عزّ وجل في سورة البقرة من الكتاب العزيز أنّ الصّفا والمروة من شعائر وأركان الحجّ، وأنّ السعي بينهما واجبٌ على من أراد أداء مناسك الحجّ أو العمرة.
والمسافة في السعي اختلفت في أكثر من رواية، وكلها تدور بين أرقام متقاربة جدًا؛ فهناك من يقول إن المسافة تبلغ 394.5 مترًا، وهناك من يقول إنها 405 أمتار، وهناك من يقول 375 مترًا، والمهم أنّ إجمالي مسافة عدد الأشواط السبعة للسعي تبلغ قرابة ثلاثة كيلو مترات، والاسم الذي يطلق على المكان الذي يتم فيه السعي "المسعى".
يمارس الحاجّ والمعتمر في أثناء السعي رياضةً روحيّة من خلال استذكار سبب تشريع السعي وسره؛ وهو أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام ترك زوجته هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام بوادٍ غير ذي زرع ولا أنيس فيه، وليس فيه من مقومات الحياة إلا الهواء، وذلك أمر غير طبيعي من أب وزوج مثل سيدنا إبراهيم، لكن إبراهيم كان عابدًا قانتًا لله يصدع بالأمر دون مراعاة لأسباب البشر.
ولو كان إبراهيم عليه السلام سيبقى معهما لسكتت هاجر ولم تفعل شيئًا، وذلك لأنه كان سيتحمل عناء الفكر في تدبير ضرورات الحياة، إلا أنه كان عليه رحيل، فلما سألته وعلمت أن ذلك أمر الله تعالى، قالت بيقين العبد في ربه، وثقة المؤمن في إلهه: "إذن لا يضيعنا".
"آلله أمرك بهذا؟!"؛ هكذا نادت أمّنا هاجر إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام وقد أدار لها إبراهيم عليه السلام ظهره وتركها في واد غير ذي زرع، التفت إليها مجيبًا: "نعم"، قالت بثقة لا تتزعزع: "إذن لا يضيّعنا"، كانت نتيجة هذا اليقين؛ زمزم تتدفّق تحت قدمي رضيعها إسماعيل عليه الصلاة والسلام الذي يتلوّى من العطش.
وذلك أول درس للغافلين الذين يذكرون الأسباب وينسون خالق الأسباب، ثم يقرن هذا الدرس بدرس آخر وهو ألا تهمل الأسباب، لأن الأسباب من عطاء الله، فإن جوارح المؤمن تعمل وقلبه يتوكل وكذلك كانت هاجر زوجة إبراهيم عليهما الصّلاة والسّلام.
وإلى جانب هذه الرياضة الروحيّة فإنّ الحاج أو المعتمر يمارس رياضةً بدنيّة تجمع بين المشي والهرولة لمسافة ثلاثة كيلو مترات في مسعى يشبه المضمار المعدّ للمشي والهرولة، فيبدأ الحاج بالمشي منطلقًا من الصّفا متجهًا إلى المروة، من النقاط الهامة التي يجب توضيحها في كيفية السعي، هي منقطة الهرولة، وهي منطقة توجد في مسار السعي، بحيث يكون السير في المسار المعد لذلك بشكل عادي وبخطوات ثابتة، وتبدأ الهرولة للرجال دون النساء، بين الميلين الأخضرين.
وتتم عملية الهرولة في كل شوط من أشواط السعي، مع الترديد المستمر لذكر: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، وبعدها يتوجه الحاج أو المعتمر بما يريد من الدعوات.
إنّ قيام الحاجّ والمعتمر بالسعي الذي يجمع بين المشي والهرولة مسافة ثلاثة كيلو مترات يجسّد مقصدًا من مقاصد الإسلام التي ينبغي أن نتفكر فيها في مناسك الحجّ، وهو مقصد بناء القوّة البدنيّة للإنسان، فكما أنّ الإسلام يحرص على بناء القوّة الإيمانيّة والروحيّة للمسلم؛ فإنّه كذلك يحرص على بناء القوّة البدنيّة للرجال والنساء على حدّ سواء، وأكثر مكان يتجلّى فيه ذلك مناسك الحجّ وعلى رأسها السّعي بين الصّفا والمروة.