4 أسباب محورية عجّلت برحيل فوزي البنزرتي عن منتخب تونس
وضع منتخب تونس رسميًا حدًا لعلاقته التعاقدية مع مدربه فوزي البنزرتي، بصفة رسمية، وذلك بعد حالة من السخط الجماهيري الكبير، التي أعقبت انتكاستي "النسور" أمام جزر القمر لحساب التصفيات المؤهلة لكأس أمم أفريقيا المقررة في ضيافة المغرب عام 2025.
وكان الاتحاد التونسي للعبة قد أعلن عبر حسابه الرسمي في منصة "فيسبوك"، اليوم الثلاثاء، عن رحيل البنزرتي بعد اتفاق بالتراضي بين الطرفين وذلك من خلال بيان رسمي، جاء فيه: "تعلن هيئة التسوية المكلفة بتسيير شؤون الجامعة التونسية لكرة القدم، أنه تم الاتفاق بالتراضي مع المدرب البنزرتي على إنهاء العلاقة التعاقدية بين الطرفين".
قرار -وإن كان مستبعدًا بسبب الصبغة المؤقتة للجنة الحالية المكلفة بتسيير شؤون كرة القدم التونسية بقيادة رئيسها كمال إيدير- بات واقعًا، والسبب في ذلك -على ما يبدو- الضغوط المهولة التي عرفتها اللجنة والمدرب من قبل "الشارع الرياضي"، الذي لم يستسغ "فضيحة" منتخب تونس أمام جزر القمر في تصفيات "الكان".
منتخب تونس والبنزرتي.. جدل غير مسبوق وقرار حتمي
منذ تولّيه تدريب منتخب تونس بدايةً من شهر يوليو/ تموز الماضي، لم يُخطئ الجدل طريقه لمعسكر "نسور قرطاج" ولا سيما في شخص مدربه المخضرم صاحب الـ74 عامًا، الذي عرف لغطًا غير مسبوق بشأنه، بعد أن كان يحظى بإجماع واحترام كافة الجماهير الرياضية على اختلاف انتماءاتها.
البنزرتي الذي عانق المجد والنجاح في مختلف المحطات المحلية والإقليمية التي عرفها في مسيرته الحافلة، التي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، والتي تولّى خلالها في إنجاز فريد، تدريب "رباعي الكبار" في الكرة التونسية وهم الترجي والنادي الإفريقي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي، لم يفلح في حصد التألق مع المنصة الأهم، ألا وهي المنتخب الوطني.
4 مباريات فقط قاد فيها البنزرتي منتخب تونس كانت جميعها لحساب تصفيات "كان 2025"، حصد خلالها زملاء ياسين مرياح فوزين بشقّ الأنفس على حساب كل من مدغشقر في تونس (1-0) وغامبيا في المغرب (1-2)، ثم خسارة صادمة أمام جزر القمر في ملعب حمادي العقربي برادس بالذات (0-1)، فتعادلٌ مع ذات المنافس في كوت ديفوار (1-1)، حصيلة وضعت المنتخب أمام حتمية تحقيق نتيجتين إيجابيتين في آخر جولتين من التصفيات، لضمان العبور وتجنّب الغياب عن المحفل القاري لأول مرة منذ 31 عامًا أي منذ "كان 1994" بتونس.
ظرفية إدارية معقدة زادت الطين بلّة
وحتّى لا نوغل في الأحكام القاسية على "شيخ المدربين"، لا يمكن أن نتجاهل الظرفية المعقّدة التي يعيشها الهيكل الأبرز في كرة القدم التونسية، والذي يعاني مشاكل تسييرية بالجملة، من تنحّي رئيسه السابق الدكتور وديع الجريء عن مهامه بسبب اتهامه في قضايا، يقبع بسببها حاليًا خلف القضبان.
ولسوء حظ منتخب تونس ومدربه، أنّ هذا الظرف الإداري أثّر بشكل عميق في استقرار الأجواء العامة، التي خلّفت بدورها أضرارًا على مستوى النتائج المحققة، وهي بأي حال لا يمكن أن تكون تبريرًا لـ"نشاز" المنتخب مؤخرًا، ولكن من المجحف عدم أخذها بعين الاعتبار، فإن خروق المعسكرات الأخيرة من ظروف سفر وتعامل مع المحترفين وارتباك لمنافسات الدوري ومشاكل التحكيم، كلها معرقلات زادت الطين بلة وأسهمت في تصدير صورة قاتمة عن حال المنتخب خاصة والكرة التونسية على وجه العموم.
مدرب تجاوزته الأحداث
من المحفّزات الرئيسة التي قد تكون دفعت البنزرتي للرحيل عن منتخب تونس في هذه المرة، انتشار أخبار كثيرة عن علاقته المتوترة مع عدد مهم من لاعبي المنتخب، بسبب أسلوب إدارته للفريق عمومًا، وهو ما جعل البعض يصفه بالمدرب الذي تجاوزته الأحداث.
بعض التسيّب الذي ظهر داخل منتخب تونس من حضور الهواتف الجوالة على مقاعد البدلاء خلال إحدى المباريات الرسمية الأخيرة، أو لقطة حنبعل الشهيرة مع البنزرتي في آخر مباريات الأخير على رأس النسور ضد جزر القمر، دفعت الكثيرين لتبنّي فكرة أنّ "سي فوزي" بات عاجزًا على فرض سيطرته على المجموعة، وأنّ بعض الـ"show" والحركات الانفعالية التلقائية التي عُرف بها مع اللاعبين المحليين في الدوري، لم تعد تُعطي أكلها مع نجوم المنتخب ولا سيما المحترفين منهم، الذين لا يفقهون تعاملات هذا النوع من المدربين الكلاسيكيين.
كلّ ما سبق، يغلّفه فشل تكتيكي ذريع تطرّق المحلّلون إلى مظاهره في حصص تليفزيونية عديدة، ويظهر أنّ فوزي البنزرتي، لم يُحَاكِ ما عُرف عنه من أسلوب هجومي ممتع وشراسة دفاعية لافتة، في تجاربه السابقة مع الأندية.
تأكد العقدة وضياع الفرصة الأخيرة
محطة رابعة للبنزرتي مع منتخب تونس كانت خاطفة كسابقاتها، هذا صحيح، ولكنها في هذه المرة حملت معها قناعة راسخة بأنها ستكون الختامية، ليس بحكم سنّ الرجل المولود في 3 يناير/ كانون الثاني 1950 فحسب، وإنما أيضًا للوجه الشاحب الذي ظهر به المنتخب تحت إشرافه، والذي أكّد عقدة "المدرب العجوز" مع منتخب بلاده.
درّب البنزرتي منتخب تونس في 4 مناسبات في تاريخه، كانت الأولى (من 23 نوفمبر 2009 وحتى 3 يونيو 2010) والثانية (من 4 يناير 2011 وحتى 28 يناير 2011) والثالثة (من 28 يوليو 2018 وحتى 20 أكتوبر 2018) والرابعة (من 1 يوليو 2024 وحتى 22 أكتوبر 2024)، وفي جميع الفترات الأربعة لم يعرف طعم النجاح، تمامًا على عكس بروزه مع الأندية محليًا وعربيًا، والتي عرف معها التتويج بـ23 لقبًا كاملًا، لعلّ أكثرها شهرة بلوغه وصافة كأس العالم للأندية مع الرجاء المغربي في عام 2013.
تاريخ البنزرتي مع "النسور" يؤكد أنّ "الحلو ما يكملش"، فالعقدة باتت في حكم المؤكد بمنطق الأرقام، والتي تشير في قراءة منطقية إلى أنّ الفرصة الأخيرة ضاعت على أنجح مدرب في تاريخ الكرة التونسية، بلا رجعة، ولم يبقَ سوى التفات التونسيين للتحديات المقبلة، والتي يبقى أهمها جولتين ضمن تصفيات الكان في 10 و18 نوفمبر المقبل، وعودة التحدي الأكبر المتمثل في جولتين جديدتين من تصفيات كأس العالم في 17 و25 مارس/ آذار 2025.