يا ركراكي إني لك ناصح أمين!
أعتذر إذا اقتبست هذه المقدمة من عنوان فيلم لعادل إمام بطل شريط النوم في العسل، الذي يعالج بطريقة كوميدية مشكلة القلق النفسي والضغوطات على الحياة الزوجية؛ لكن ما يهمنا في الفيلم هو النوم في العسل، لأن الموضوع له علاقة باليقظة والانتباه والتركيز والاهتمام والحافز والرغبة، وغيرها من العبارات الإنشائية في مجال الكرة المستديرة وعلى اللاعبين أن يكونوا قد عادوا من قطر، لأن الإنجاز المحقق في كأس العالم يعتبر عبئًا وثقلًا كبيرًا على الكرة المغربية وجب العض عليها بالنواجذ من جانب المدرب وليد الركراكي ولاعبيه، للمحافظة على ذلك المكسب التاريخي، لأن أسوأ ما في تاريخ العرب من أن يقولوا أو يقول أحدهم: "كنت… وكنّا… وكان لدينا كذا وكذا".
فالعرب لم يدركوا إلى اليوم (وربما لن يدركوا أبدًا) أن "كان" فعل ماضٍ يفيد ما ولّى وانتهى ولن يعود، وهذا واحد من أسباب تخلّفهم وتأخرهم عن بقية الشعوب في كافة أصقاع العالم.
أقول هذا بعد الإحساس الذي خلّفه لدي خلال المواجهات السابقة؛ حيث غابت شراسة الأسود أمام جنوب أفريقيا، والكاب فيردي، مع ظهور لا بأس به في لقاء إعدادي أمام بوركينا فاسو، وكأنهم ما زالوا ينتشون بإنجاز قطر، ويصطدم كل هذا بسقف طموح الشعب المغربي الذي كبر، هذا الدرس يجب أن يعيد اللاعبين لأرض الواقع لأن منافسات أفريقيا تختلف تمامًا عن كأس العالم.
فالشغف بالبدايات دائماً ما يكون مفعمًا بالوثبة الخلاقة نحو التجديد والإبداع والمبادرة والحلم والتخطي والرحابة.
بينما التعلق بالنهايات عادةً ما يطفئ في الإنسان شغف المحاولة والتجدد والاستمرارية، ويجعله مكتفياً بما لديه، على عكس الشغف بالبدايات، حيث يجعله دائماً في مدار الرغبة المتجددة وفي تخلقات المثابرة والسعي والتقدم.
إن منتخب أسود الأطلس صاحب المركز الرابع بالمونديال الأخير، تحول إلى خصم مهاب الجانب، ومن المؤكد أن أي منافس ستتم مواجهته مستقبلاً، لن يفتح الممرات، ومن المؤكد أنه سيركن للدفاع، وسيسعى إلى استغلال أدنى هفوة ممكنة، قصد تحقيق المفاجأة المدوية.
البحث يجب أن يرتكز على إيجاد صيغ جديدة للأداء، تختلف عن الصورة التي تم اعتمادها خلال كأس العالم، فالنهج التكتيكي لوليد أصبح مهضوماً، وأسلحته مكشوفة، بالتالي، فإن مواجهته لم تعد مسألة صعبة، ولا مستحيلة، إلا أن الإشكال الذي سقط فيه الفريق الوطني حالياً، هو كيف يمكن تغيير المنهج في غياب الأدوات المطلوبة؟
لقاء الكاب فيردي كشف عن هذه الأزمة الجديدة بالرغم من الفوز على بوركينا فاسو بفرنسا خلال الشهر الماضي؛ فالطاقم التقني مطالب بتغيير البوصلة، نحو أفق أفريقي يختلف كلياً عن أجواء المونديال، فللقارة السمراء حقائقها وطقوسها، وأيضاً تضاريسها ومناخها، وكل هذه المعطيات لا بد من استحضارها من جديد، حتى لا يسود الاعتقاد أن التألق بقطر، يفتح تلقائياً الطريق للتوهج بالمواعيد الأفريقية.
على بعد ثلاثة أشهر، عن انطلاق منافسات كأس أفريقيا للأمم، المقررة بداية السنة القادمة بالكاميرون، دخل الطاقم التقني للفريق الوطني المغربي لكرة القدم، في المراحل الإعدادية، وهو المرشح فوق العادة للفوز باللقب.
وهنا تحضر نظرية تستمد مشروعيتها من تجارب سابقة، فمن المخاطرة الرهان الكلي على لاعبين تكونوا بمراكز ومعاهد القارة العجوز، والتعود على طقس وطقوس مختلفة تماماً، ولا بد بالتالي من الاستعانة ولو نسبياً بعناصر متعودة، ألفت التنافس الأفريقي، والاستئناس بأجوائه المختلفة تماماً.
وحين نتحدث عن لاعبين تكونوا محلياً، وتمكنوا من ضمان رسميتهم بالدوريات الأجنبية، يأتي في المقدمة لاعب الرجاء السابق سفيان رحيمي، لاعب متألق بالعين الإماراتي، فرض نفسه كأفضل صانع أهداف بالدوري الإماراتي، ولاعب آخر يبصم على مستويات كبيرة، ويقدم نفسه كواحد من أبرز المرشحين للانضمام لكتيبة أسود الأطلس، ويتعلق الأمر بمراد باتنا المتألق بالدوري السعودي، والذي ينافس المحترفين القادمين من أوروبا على صدارة الهدافين.
وعلى المستوى الأوروبي، هناك لاعب آخر متألق، ويتعلق الأمر بمحمد بولديني مهاجم نادي ليفانتي الإسباني لكرة القدم، الذي يوقع على مسار رائع، بفضل تقنياته الفردية كمهاجم متمكن، عرف كيف يستفيد من قوته البدنية، ليضع نفسه ضمن مصاف أبرز هدافي دوري الدرجة الثانية في إسبانيا.
وعليه، فإن المدرب مطالب بالاجتهاد أكثر لإيجاد تصورات تقنية أخرى، قادرة على تجاوز المنظومة الدفاعية التي أصبحت تصطدم بها العناصر الوطنية، في كل المباريات، سواء كانت رسمية أو حتى إعدادية.
والأكيد أن هناك رهانات أخرى تشغل بال الطاقم التقني، مما يتطلب توظيفاً مغايراً وإعطاء الفرصة للاعبين جدد، قادرين على منح الأداء الجماعي والفردي نجاعة أكثر، وفعالية تمكنهم من تجاوز تكتيكات المنتخبات، خاصة تلك التي توصف بالصغيرة .
كلها إكراهات مطروحة أمام الطاقم التقني، ومن المفروض إيجاد حلول عاجلة للحفاظ على قيمة منتخب وصل إلى نصف نهاية كأس العالم في قطر 2022، إلا أن المهمة ليست سهلة، وتتطلب تفكيراً وعملاً مضنياً، للوصول إلى توظيف البدائل الجاهزة في زمن قياسي…
الأمر الإيجابي أن هناك لاعبين متميزين قادرين على التعويض، خاصة صغار السن من فئة الأولمبيين، وهذا هو التوجه المفروض وعلى الركراكي أن ينصب عليه، وذلك بمنح الفرصة لأسماء تألقت، والمتوجة أفريقياً والمؤهلة أولمبياً، وأخيراً يا وليد يا ركراكي، إني لك ناصح أمين، الجماهير المغربية لا ترحم، وبه وجب الإعلام.