نهائي كأس الخليج خرج عن النص!

2023-01-22 13:37
من مراسم تتويج منتخب العراق بلقب كأس الخليج العربي 25 (Getty)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

عاد الهدوء إلى محافظة البصرة، بعد 15 يوماً شغلتها فعاليات بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم بنسختها 25، التي عُدَّتْ الأكثر إثارة على مستوى التفاعل الاجتماعي الخليجي والنجاح التنظيمي في تاريخ البطولة منذ انبثاقها عام 1970.

الإشادة هذه تُحمِّل الطرف الأول اتحاد الكرة العراقي مسؤولية المحافظة على ما تحقق من مكسبٍ فنّي ومعنوي للكرة العراقية أمام الاتحادات (الخليجي والآسيوي والدولي) التي رأت وفقاً لتصريحات مسؤوليها أن العراق نجحَ في كسب الرهان، ولم يَعُد يثيرُ مخاوِفنا أو قلقنا كالسابق إذا ما توجهنا إليه ليُضيف إحدى البطولات القاريّة وخاصّة العمريّة منها، حيث كانت تجربته مُميّزة، ويستحقُّ أن ينال الثقة العربيّة والدوليّة المُطلقة.

طبعاً نجاح البصرة كان مُرتبطاً بتهيئة المنشآت الرياضيّة والفنادق الحديثة، ولولا الزيارات المُكثّفة للجان اتحاد كأس الخليج لكرة القدم، والمتابعة الجادة من الحكومة العراقيّة، لما استطاعتْ المحافظة "رئة العراق الاقتصادية" أن تستقبلَ أكثر من نصف مليون مشجّع حضروا إلى ملعبي البصرة الدولي والميناء الأولمبي، ووقفَ رجال الأمن على قدرٍ كبيرٍ من اليقظة والحرص لتأمين سلامة المواطنين وضيوفهم، رغم أنها المرّة الأولى التي تتبنّى فيها المحافظة إقامة المنافسة الكبيرة للبطولة الأعزّ على جمهور الخليج، منذ أن شرعت شقيقتها بغداد عام 1979 بفتح أبوابها لهم حينما عهد إليها إقامة البطولة الخامسة لـ18 يوماً وبنظام دوري من مرحلة واحدة، وشهدت 21 مباراة، ومرّت البطولة بمتغيّرات كثيرة طوال 44 عاماً ضمن سياسة الاتحاد الخليجي لتطويرها.  

ولم يُنغِّص الختام الجميل للنسخة 25 سوى الانتقادات التي وجّهتْ إلى جماهير البصرة بسبب استحواذهم على مقاعد مُخصّصة للجمهور العُماني، هذه السلبية أكلت من جُرف النهائي المُلتهب والصادِم بأهدافه الخمسة! فمن غير المعقول أن يُحمِّل بعض الحانقين على الجمهور كُلّه المعروف عن حُسن تعامله مع ضيوف خليجي 25 وِزْر تصرّفات ثُلَّة منه سيطرتْ عليها الأنانيّة، ولم تجد غير احتلال مقاعد غيرها دون وجه حق، فأكثر من 70 ألف متفرّج كانوا بدرجة انضباط عالية، وحافظوا على أصول الدُخول إلى ملعب (جذع النخلة) من دون تهوّر ولا تمرّد أو شغب كما يحصل في بعض ملاعب المنطقة، والأمر الذي لم يشر إليه أحد هو مؤازرتهم الفريق العُماني بروحيّة كبيرة أعادتْ ذاكرتنا إلى موقف الجمهور السعودي في خليجي 9 يوم هتف (حيّو العراقي حيّوه) في المباراة التي انتهت بفوز منتخب العراق على شقيقه السعودي بهدفين نظيفين، سجّلهما المرحوم أحمد راضي وباسل كوركيس يوم الأربعاء 16 مارس/ آذار عام 1988، فالشعوب الحيّة تستحقُّ الثناء لإدامة مظاهرها الإيجابيّة كونها أساس نجاح الفعاليات الوطنيّة، ولا ينبغي أن يسرقَ السلبيّون الأضواء منهم.

من جانب آخر، جاء فوز أسود الرافدين باللقب الرابع في تاريخهم، برفقة المدرب الإسباني خيسوس كاساس، ليؤكِّد عِلْم كرة القدم أنه لا يخلو من خروجٍ عن النصّ بمفاجأة لا ترضخ لمنطق أو مبدأ التحضير الفني لنهائي حاسم مثل قمّة الخميس 19 يناير/ كانون الثاني 2023 بين بطلين استحقّا التتويج لولا وجود كأسٍ واحدةٍ، فالمدرّب كاساس حديث الارتباط مع منتخب العراق، ولم يخض سوى مباراة وديّة واحدة ضد المنتخب الكويتي يوم الجمعة 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022، وانتهت بفوزه بهدف واحد سجّلهُ المدافع علي فائز، ودخل بعدها بسبعة أيام موقعة عُمان في لقاء الافتتاح الذي انتهى بالتعادل السلبي، ما يعني وجود تناغم كبير بينه وبين اللاعبين أثمرَ عن تحقيق الفوز أربع مرّات والتعادل في مباراة واحدة، وهذا سيُعطي زخماً كبيراً له لمراجعة حساباته كونه يمتلك أدوات قادرة على النجاح، فيما لو عرفَ كيف يوظِّفها لتنفيذ أسلوب لعبه الذي يحتاج إلى رؤية واسعة لأبرز المُثابرين في منافسات دوري الكرة الممتاز بغية الحصول على أنشط اللاعبين في بعض المراكز للتوافق مع تكتيكه "الدفاعي والهجومي" الذي يحتاج للتدعيم.  

ما ذكرهُ كاساس في المؤتمر الصحفي بعد مباراة الختام لامَسَ الحقيقة كثيراً بقوله: "كرة القدم رياضة تحمل العديد من الأخطاء والعصبيّة، والأخطاء الفرديّة برّزتْ أهميّة مباراة نهائي كأس الخليج 25"، وبخصوص الخُطط المستقبليّة والحاليّة قال كاساس: "نحن قادرون على تخطّي الصِعاب وسنكون أقوياء مستقبلاً"، وبيّن: "عندما وقّعتُ للمنتخب كان هناك أشخاص قليلون يؤمنون بهؤلاء اللاعبين، وأنا جئتُ لمساعدتهم".. بالفعل هناك أكثر من لاعب يضمُّه بطل الخليج سبق أن سحب الجمهور العراقي الثقة منه بعد خروج الفريق خائباً من تصفيات الدور الحاسم لمونديال قطر في الربع الأول من عام 2022.

وقريباً من الشقّ الفني للبطولة، يُمكن مُعالجة السلبيّة التي صارح بها الشيخ حمد بن خليفة، رئيس اتحاد كأس الخليج العربي لكرة القدم، مشاهدي قناة "الكأس" في برنامج المجلس مساء يوم الثلاثاء 17 يناير الحالي، بقوله: "بكلّ موضوعيّة، المستوى الفني للمباريات لم يرقَ لحجم الطموح والتوقّعات التي كُنّا نضعها لها، على الرغم من أن بعض المباريات تميّزتْ بالقوّة والإثارة وارتفاع مستوى الأداء، لكن في المُجمل يمكن تقييم الأداء الفنّي بنسبة 5 من 10 درجات". يُمكن معالجة ذلك باستحداث بطولة خليجيّة للفرق الثمانية لفئة تحت 23 عاماً تُقام قبل شهرين من بطولة الكبار، للخلاص من مشاركة بعض الفرق بالرديف مهما كانت الأسباب، ولو تهيّأت الظروف لفريقي السعودية وقطر المنافسة بنجومهما الموندياليين يقيناً ستكون نسبة التقييم أكثر من تلك الدرجة، وسنضمن أقوى منتخبات أولمبيّة تُسهم في التغيير النوعي للخُطط والأهداف والطموحات لما بعد انتهاء كلّ نُسخة خليجيّة.

شارك: