نداء الوطن وضغط الوسطاء وسيف وليد الركراكي
أبى وليد الركراكي إلا أن يُعايد جميع المهتمين والجمهور واتحاد كرة القدم بتصريح "مثير وصريح" قد يُخفي شيئًا ما، وكما يقول المثل "وراء الأكمة ما وراءها"، هذا التصريح أثار زوبعة في الأوساط الكروية بالمغرب، ولا يمكن أن نمر على تصريحه مرور الكرام دون أن نتوقف عنده، ونتساءل بشأن ما ورد فيه:
أكد المدير الفني، الركراكي، أنه ليس من أولئك الذين ينصاعون لضغط الوكلاء، مشددا على أن كل من يستحق الالتحاق بالمنتخب الوطني، سيكون الباب مفتوحا أمامه دون تدخل من الوكلاء.
وعبر الركراكي الذي تنتظره مهمة مستحيلة بكأس العالم قطر 2022، على اعتبار أنه لم يُعيَّن على رأس الجهاز الفني للمنتخب الوطني المغربي، إلا قبل أسابيع معدودة من انطلاق العرس الرياضي العالمي، عن رفضه التام لأي شكل من أشكال الضغط الذي يمارسه بعض وكلاء اللاعبين، لإجبار المدربين على الإسراع بضم المحترفين الموجودين في أوروبا أو في الخليج إلى قائمة المنتخب الوطني.
وأضاف أنه ليس من عشاق "الضجيج"، مؤكدا أن كل لاعب برز في أربع مباريات لا يعني أنه ملزم بالمناداة عليه فورا، وأشار إلى أنه يشتغل في إطار واضح، وأن من يستحق حمل القميص الوطني سيحصل على ذلك ولن يظلم أحدا. انتهى كلام وليد لكن ما بين سطوره سنستشف الرسائل المشفرة لفك شفرتها.
هيمنة الوكلاء وتدخلاتهم، زمنها قد ولّى، وأراد الركراكي القطيعة معها شكلا ومضمونا، فقد فطن لتأثيرهم وتسلطهم ولحركاتهم التي لا تدخل في دائرة اختصاصهم، وهذا ما جعل الفيفا يضع الإطار الواجب العمل فيه.
لقد أراد الوسطاء وضع الركراكي أمام خيارين؛ إما توجيه الدعوة لهؤلاء المحترفين الشباب ذوي الأصول المغربية لحمل القميص الوطني، أو تغيير الوجهة لبلد المهجر لكونهم يحملون جنسيته، لكن سياسة لي الذراع لن تجدي نفعا مع وليد، لمعرفته بما يجري خلف كواليس (الوكلاء)، وتسلط بعضهم على بعض المدربين السابقين داخل المنتخب الوطني، وجعلهم (دمى) يحركونها بطرقهم متى شاؤوا.. والأدهى من ذلك أنهم أقحموهم في دوامة لم يخرجوا منها إلا بعد افتضاح أمرهم فخرجوا من بوابة تدريب المنتخب الوطني صاغرين.
وما أثارني في الركراكي اشتغاله في إطار واضح، كيف لا وقد حمل القميص الوطني ويعرف كل ما يحيط به من كبيرة وصغيرة.
كنا ننتظر ردة فعل من جانب اتحاد الكرة على هذا التصريح؛ لأن ما ورد في تصريحه "حقيقة وإشارات تستدعي قراءة متأنية"، وجب التعامل معها، ما يجعلني أطرح السؤال التالي، هل بهذا الخروج القوي للركراكي سينام قرير العين؟ لا أعتقد؛ فهناك لوبيات ستسعى إلى تقويض أي فلسفة وعمل مستقبلي يحد من هيمنتها وتسلط بعض وسطائها، وستحاول توجيه ضربات تحت الحزام بلغة الملاكمة.
تصريحات الركراكي أكدت على أن الأبواب أوصِدت في وجه (الوسطاء) بقوة، وحمل قميص المنتخب الوطني شرف لأي لاعب، وشخصيا أعتبره مقدسا، فالارتباط مع الوطن يجب أن يكون قويا وعن قناعة وبدون مساومة، لأن نداء الوطن، هو نداء القلب.
ولا أخفي سرا أن بعض الوكلاء يحاولون الهيمنة على محيط المنتخب الوطني منذ زمن بما يتمتعون به من نفوذ؛ لتمرير صفقاتهم وضمان الربح المادي، لأن القيمة السوقية للاعب ترتفع كلما تمت المناداة عليه لحمل القميص الوطني، وهذا مربط الفرس.
الاتحاد المغربي قرر من خلال خططه المستقبلية استعادة الطيور المهاجرة لحمل القميص الوطني في كل فئات المنتخب الوطني، بتعيين (الكشافة) في كل أنحاء أوروبا من أجل تتبع المواهب الكروية ذات الأصول المغربية، وهو ما نتج عنه سيلان لعاب بعض الوسطاء الذين يستغلون هذا المعطى ليدخلوا دائرة المساومة والضغط، وخاصة مع محترفين شباب متألقين، من معطى حاجة المغرب لأبنائه، لكن الدخول في المساومة أمر لا يرتضيه قطعا اتحاد الكرة ولا الجمهور ولا الركراكي.
وهنا لابد أن أسوق مثالا على القطيعة مع الوكلاء، فالهولندي إريك تين هاغ فرض نظامه بقوة على لاعبي مانشستر يونايتد مع انطلاق هذا الموسم التحضيري للشياطين الحمر.
الجزء الأكثر صرامة هو أن تين هاغ أخبر لاعبيه بأن عليهم الحديث معه وحده عن أي مشكلات تتعلق بهم أو بالنادي أو بالأمور التعاقدية، ولا يقوموا بتناول تلك الأمور مع وكلائهم!
فلنكن حريصين على المدرب الوطني صاحب الكفاءة والمؤهل العلمي، فهو يستحق منا كل التقدير، لا أن نجعله "مدرب طوارئ"، خصوصا أننا نعيش مرحلة رياضية تتطلب دعم الجانبين النفسي والمعنوي ورفع الوازع الوطني، سواء في الأندية أو المنتخبات، وهنا يبرز دور المدرب الوطني.