مونديال قطر.. فرصة زياش لرد الدَّين إلى الشعب المغربي
تمثل مشاركة المغربي حكيم زياش مع "أسود الأطلس" في مونديال قطر فرصة ثمينة له لاستعادة توهجه في ظل تراجع الاعتماد عليه في ناديه تشيلسي، لكنه سيكون أمام رهانين، الأول ردَّ الدين لشعب بأكمله طالب بإلحاح انضمامه إلى تشكيلة أسود الأطلس، والثاني إعادة اكتشاف نفسه واستعادة أيامه الخوالي مع أياكس أمستردام بعدما خفت بريقه مع تشيلسي منذ انضمامه إلى صفوفه صيف 2020.
وكان وليد الركراكي، مدرب المنتخب المغربي، قد أعرب عن سعادته الكبيرة بالاستفادة من خدمات حكيم زياش، نجم تشيلسي الإنجليزي، خلال منافسات مونديال قطر 2022.
وقال الركراكي: "يا لها من جريمة، ألا يشارك معنا لاعب بموهبة زياش وقدمه اليسرى في كأس العالم"، وذلك في إشارة إلى قرار سلفه البوسني وحيد حاليلوزيتش، باستبعاد زياش من صفوف "أسود الأطلس".
وكان زياش (29 عامًا) من العناصر "غير المرحّب" بها من حاليلوزيتش لخلافات معه، إذ أعلن اعتزاله دوليًا بسبب ذلك، بل أنه كان أحد الأسباب التي أدت إلى إقالة المدرب البوسني من منصبه.
حديث الركراكي حول القدم اليسرى لزياش أكّدته تصريحات زميل الأخير في النادي اللندني الدولي السويسري دنيس زكريا، والتي وصفها بـ"الجنون"، مضيفًا: "لم أر قط قدمًا يسرى مثل قدم زياش.. أووف.. إنه الجنون بعينه!!".
سابقة في عهد رينارد
دفع حاليلوزيتش ثمن تعنته باستبعاده رغم مطالبة الجماهير المغربية بضرورة الاستعانة بخبرته وموهبته وخدماته في ظل غياب الإبداع في خط وسط "أسود الأطلس"، خصوصًا عقب الخسارة المذلة أمام الولايات المتحدة بثلاثية نظيفة وديًّا في يونيو/ حزيران الماضي.
حاليلوزيتش الذي اتهم زياش بأنه لا يمكن "الوثوق به ويثير المشاكل" في صفوف الفريق، دخل في حرب تصريحات مضادة لرئيس الاتحاد المغربي للعبة، فوزي لقجع، الذي حرص على الاجتماع به والتأكيد على وضع الخلافات جانبًا من أجل مصلحة المنتخب.
لم تكن المرة الأولى التي يعاني فيها زياش من خلاف مع مدرب للمنتخب المغربي، فقد عاش الأمر ذاته مع المدرب الفرنسي هيرفي رينارد عام 2016، بسبب غضب نجم أياكس أمستردام وقتها من استبعاده عن تشكيلة 18 لاعبًا، وجلوسه في المدرجات خلال مواجهة الرأس الأخضر في ذهاب التصفيات المؤهلة لأمم أفريقيا، واقتصار مشاركته على دقائق غير كافية إيابًا في المغرب.
كانت النتيجة استبعاد زياش من النهائيات القارية مطلع 2017 في الغابون، بعدها رفض الالتحاق بالمنتخب منتصف العام ذاته، لكنه عاد في أواخره بعد جلسة صلح بتدخل من رئيس الاتحاد لقجع ومطالبة جماهيرية ملحة، فأبلى البلاء الحسن في مونديال روسيا حيث كان المنتخب قاب قوسين أو أدنى من العبور إلى دور الـ16.
قال الركراكي خلال مؤتمر صحفي مطلع سبتمبر، لإعلان تشكيلته الأولى منذ تعيينه: "التواصل مع زياش كان سهلًا وأنا مرتاح لأننا فعلنا كل ما في وسعنا لكي يعود وهو وافق على العودة، لا يمكن أن نخوض نهائيات كأس العالم في غياب لاعب بقيمة زياش وجودته".
التاريخ يعيد نفسه
وتابع: "زياش سيعطينا الإضافة وسيأتي ليقاتل. زياش يحب بلاده وأظهر ذلك منذ البداية بتفضيله الدفاع عن ألوان المنتخب المغربي على غرار أشرف حكيمي ونصير مزراوي، خلافًا للاعبين آخرين، وبالنسبة لي فاللاعب الذي يختار بلاده سأساعده ولكن بالجودة".
وأردف قائلًا: "رغم أنه لا يلعب بانتظام في تشيلسي وهذه حالة العديد من اللاعبين الدوليين في صفوف النادي اللندني والذين لا يلعبون بانتظام أيضًا، لكن لاعب مثل حكيم يجب وضعه في أفضل الظروف ليقدّم لنا الأفضل، وهو سعيد بذلك خصوصًا أنه غاب لأكثر من عام ونصف عن المنتخب".
لا أحد يشك في موهبة زياش وأسلوبه المتميز في السيطرة على الكرة ولمساته الفنية العالية داخل المنطقة وقدرته على إيجاد الثغرات من الكرات الثابتة، وكذلك في وفائه وحبه لبلاده ومنتخبها، وهو الذي لبى نداء القلب والوطن باختياره الدفاع عن اللون الأحمر المغربي بدلًا من البرتقالي الهولندي الذي حمله مع فئاته العمرية حتى تحت 21 عامًا، فكانت مباراته الدولية الأولى في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ضد ساحل العاج (0-1) وديًّا.
وقتها واجه زياش، المولود في مدينة دروتن والذي خاض حتى الآن 44 مباراة دولية سجل خلالها 18 هدفًا، انتقادات لاذعة أبرزها من الأسطورة، ماركو فان باستن، الذي علق بالقول: "هو لاعب كبير، لكن كيف يمكن له أن يكون غبيًا إلى حد اختيار منتخب المغرب بدلًا من هولندا التي تلقن أسس كرة القدم فيها"، وهي الحقبة التي شهدت تدرج زياش في الفئات العمرية لنادي هيرينفين، واللعب لموسمين مع تفنتي، قبل أن ينتهي به المطاف صيف العام 2016 مع الاسم العلم في كرة القدم أياكس أمستردام.
حبيس دكة البدلاء
لكن النجم، الذي أبدع مع أياكس وبلغ قمة مستواه معه بقيادته إلى نهائي يوروبا ليغ عام 2017، ونصف نهائي مسابقة دوري أبطال أوروبا موسم 2018-2019 بإقصائه "ملكها" ريال مدريد الإسباني من ثمن النهائي ويوفنتوس الإيطالي من ربع النهائي، بات حبيس دكة البدلاء منذ انتقاله إلى صفوف النادي اللندني وتحديدًا منذ رحيل المدرب فرانك لامبارد، الذي أبلغ الإدارة بضرورة التعاقد معه.
عبَّر لامبارد وقتها عن إعجابه بقوة شخصية زياش خصوصًا كيفية عدم انعكاس ظروفه الصعبة التي مر بها في طفولته على أدائه في أرضية الملعب، في إشارة إلى فقدانه والده عندما كان يبلغ عشرة أعوام فقط، كما قضى اثنان من أشقائه الأكبر سنًا عقوبة السجن بجرم السرقة، وعانى شخصيًّا من مشاكل متعلقة بتعاطي المخدرات والكحول عندما كان مراهقًا.
واعتبر لامبارد أن زياش ترك ماضيه خلفه من خلال عروضه التي شاهدها بما في ذلك في ستامفورد بريدج في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا موسم 2019-2020، عندما التقى تشلسي مع أياكس (4-4)، وأضاف: "لقد تحدثت إليه. أعرف قصته وتربيته وحياته الأسرية. أود أن أقول عندما ترى شخصًا يمر بأوقات عصيبة، ويظهر جودته على أرض الملعب فإن هذا أمر جيد".
لكن زياش عانى الأمرَّين مع المدرب الألماني، توماس توخيل، الذي اكتفى بوضعه على دكة البدلاء ومنحه فرصة المشاركة في مباريات معدودة، وهو الأمر الذي جعل اللاعب يفكر في أكثر من مناسبة بالرحيل.
تنفس زياش الصعداء نسبيًا بعد إقالة توخيل عقب بداية الموسم الحالي، لكن وضعه في تشيلسي لم يتغير أيضًا مع خليفته غراهام بوتر الذي أبقاه على دكة البدلاء.
وفي ظل فتح النادي اللندني الباب أمام رحيله في فترة الانتقالات الشتوية، سيستغل زياش، مونديال قطر حيث سيكون مهندس خط وسط أسود الأطلس وأحد أسلحته البارزة، لإبراز علو كعبه والرد على تهميشه في النادي اللندني وإثبات جدارته باللعب في أكبر الأندية الأوروبية.