منتخب تونس في "مفترق طرق" بعد مونديال قطر
اختتم منتخب تونس مشاركته السادسة في كأس العالم، عبر نسخة "قطر 2022"، بلا جديد فيما يتعلق بطموحه في العبور إلى الدور الثاني لهذا العرس العالمي، ورغم الفشل في التأهل، فإن نسور قرطاج نجحوا في ترك انطباعات طيبة، لا سيما حول مردودهم في المباريات الثلاث، التي جمعوا منها 4 نقاط في أفضل حصيلة لهم، بعد تعادل بطولي مع الدنمارك (0-0)، وخسارة قاسية ضد أستراليا (0-1)، وفوز تاريخي ضد وصيف بطل العالم فرنسا (1-0).
ما تحقق على أرض الدوحة من أداء إيجابي دفع البعض للتفكير في مستقبل "نسور قرطاج" على نحو مغاير، خصوصاً أن بعض نقاط الضعف التي بدت جلية في أثناء المباريات كشفت عن "انتهاء صلاحية" بعض الأسماء التي تعدُّ العمود الأساسي لهذا الجيل من المنتخب، منذ سنوات.
كما ذهب البعض لأكثر من ذلك، لتصل إلى المطالبة بعملية "تطهير" جماعية، يصل مداها إلى رئاسة الاتحاد، بإشراف الدكتور وديع الجريء، الذي يعدُّ المسؤول الأول عن اللعبة الشعبية في البلاد.
المسلسل الممل للاتحاد ووزارة الرياضة
بالحديث عن رئيس الاتحاد، وتناغماً مع مطالب الإصلاح والتجديد، لا يمكن التغاضي عن عدد من المشكلات البارزة التي عطلت مشوار المنتخب التونسي قبل المونديال الأخير، وحتى في الـ"كان" الأخير، لا سيما تلك المتعلقة بالأمور اللوجستية، وسياسة "ليّ الذراع" بين رئيس الاتحاد ووزير الرياضة، كمال دقيش.
صراع بين الشخصيتين الرياضيتين الأكثر نفوذاً في الواقع الرياضي التونسي أسفر عن حزمة من العراقيل، في وقت كان فيه المنتخب التونسي في أمس الحاجة للدعم، كما ولّد هذا الصراع حالة ملموسة من "الملل الشعبي".
القادري من التأييد إلى الرفض إلى التثبيت!
بعيداً عن صراع السلطة بين أروقة الاتحاد والوزارة، يأتي الدور على الجوانب الفنية لمشاركة تونس في مونديال قطر، والتي وصفها كثيرون بأنها المشاركة التي "كان فيها بالإمكان أحسن مما كان".
هذه القناعة بافتراض حدوث أكثر مما تحقق، فيها إشارة واضحة إلى الجهاز الفني، ولا سيما رأسه الذي يمثله المدرب الأول، جلال القادري، الذي لا يحظى بإجماع الجماهير التونسية، بعد أن كان يتمتع برصيد ثري من ثقة الجماهير، خاصة بعد أن قدّم نفسه بشكل لافت "تكتيكياً" في مباراة نيجيريا "المرجعية"، التي حسمها "أحفاد حنبعل" بهدف نظيف في كأس أمم أفريقيا الأخيرة بالكاميرون.
ورغم مناداة عدد لا بأس به من الأصوات المحيطة بالمنتخب بضرورة منح فرصة قيادة المنتخب لأحد الثنائي مهدي النفطي أو راضي الجعايدي أو كليهما مع تنسيق الأدوار، آثر الاتحاد التونسي تثبيت القادري في منصبه، موقعاً معه عقد أهداف، ينصّ على بلوغ المربع الذهبي لـ"كان" كوت ديفوار المقبل على أقل تقدير.
الخزري أول المترجلين من الحرس القديم.. فماذا عن البقية؟
على صعيد آخر، يمكن التطرق إلى نقطة جوهرية حرّك مياهها الراكدة قائد المنتخب السابق وهبي الخزري عندما قرر الاعتزال دوليًا في عمر الـ31 عاماً، بعد مسيرة ليست بالقصيرة دامت 10 سنوات، شهدت نجاحات وإخفاقات لمهاجم مونبلييه الفرنسي الحالي، الذي انتقى توقيت خروجه بعناية بعد توقيعه هدف الفوز التاريخي في مرمى فرنسا، في آخر مباراة له بقميص "النجمة والهلال".
الخزري يطوي صفحة المنتخب التونسي، الذي حمل قميصه في 65 مباراة وسجل له 22 هدفاً منذ 2013، وهو أفضل هدّاف حاليا لنسور قرطاج، كما شارك في كأس الأمم الأفريقية (2013 و2015 و2017 و2019)، وفي كأس العالم 2018 و2022.
غير بعيد عن الخزري حارس مرمى النجم الساحلي، أيمن المثلوثي (38 عاماً). هو الآخر أعلن اعتزاله الدولي بعد مشوار طويل تواصل على مدار 15 عاماً، أنهاها المثلوثي بصورة شرفية من بوابة المونديال رغم عدم تمكنه من المشاركة فعلياً.
الخزري والمثلوثي يعدان من ركائز "الحرس القديم" في المنتخب، واعتزالهما فتح باب التساؤل حول العديد من اللاعبين الآخرين، ونخص بعض الأسماء هنا ذكراً لا حصراً، يوسف المساكني (36 عاماً، 90 مباراة و17 هدفاً) وعلي معلول (33 عاماً) ونعيم السيتي وطه ياسين الخنيسي وفرجاني ساسي (30 عاماً لكل منهم) والثنائي سيف الدين الجزيري وياسين مرياح (29 عاماً).
استعراض هؤلاء اللاعبين ودعوة عدد من الجماهير لاعتزالهم لا ينقص من عطاءاتهم الطويلة مع المنتخب خلال مشوارهم الدولي، لكن عددًا من الجماهير وحتى الملاحظين يرون أنه الوقت المناسب ليترك بعض النجوم السابقين الفرصة للشباب اقتداءً بخطوة الخزري.
بوادر مزيج جديد يضخ موجات التفاؤل
الحديث عن اعتزال بعض اللاعبين حفّزه بروز جيل جديد من "النسور"، مرّر عدة رسائل إيجابية ومطمئنة فيما يتعلق بالمستقبل القريب والبعيد، فحاليا يعدّ "المحارب" عيسى العيدوني و"صمام الأمان" منتصر الطالبي و"المايسترو" إلياس السخيري و"الفلتة" حنبعل المجبري و"الموهوب" أنيس بن سليمان، وغيرهم مثل محمد دراغر ووجدي كشريدة وأيمن دحمان، ركائز ملهمة في تشكيلة القادري.
بالإضافة لهؤلاء النجوم الجدد، لا يمكن أن نغفل عن عدد من العناصر الواعدة جداً التي يزخر بها المنتخب الأولمبي، فرغم فشله في تحقيق طموحه ببلوغ "كان تحت 23 عامًا" والمنافسة على بطاقة أولمبياد باريس 2024، فإنه يضم فعليًا عناصر متألقة، لعل من أهمها جوهرتي النادي الأفريقي آدم قرب وحمدي العبيدي، والقائد المميز ومدافع النادي الصفاقسي علاء غرام، والحارس إلياس الدامرجي محترف نادي نيس الفرنسي.
علاوة على كل ما سبق، ما يزال الاتحاد التونسي لكرة القدم، من خلال إدارة المتابعة الفنية لخلية المواهب التونسية، يستهدف "طيور المهجر" التي لها علاقة بتونس؛ إذ نجحت إدارة المتابعة في حسم بعض الملفات؛ على غرار شيم الجبالي (أولمبيك ليون)، وإلياس عاشوري (فيبورغ الدنماركي)، وسيف الله لطيّف (فينترثور السويسري)، وتنتظر إدارة المتابعة البت في ملفات أخرى، وأهمها إسماعيل الغربي (باريس سان جيرمان) وهيثم حسن (فياريال). كل ذلك قد يمنح مزيجًا متجانسًا وغنيًا بالحلول لمستقبل "النسور".
"الكان" على الأبواب والتعجيل بالقرار مطلوب
كل المحطات التي سبق تناولها هي بمثابة "خارطة طريق"، تترقب تفعيل القرارات عبر آلية تنفيذ سريعة، لا سيما مع تواتر الأحداث؛ فأول استحقاق قاري مرتقب هو كأس أمم أفريقيا لكرة القدم 2023، المزمع إقامته بكوت ديفوار مطلع العام المقبل، في الفترة الممتدة ما بين 5 و28 يناير/ كانون الثاني 2024.
وفي ذلك الوقت، يجب أن يكون المنتخب التونسي جاهزاً لرفع التحدي وكسر صيام دام 20 سنة عن تتويجه باللقب القاري، وتحديدا منذ فوزه بكان 2004، عندما استضاف الحدث القاري آنذاك.