محمد قنوع.. الوحداوي الملكي هزمه الموت في مباراته الأخيرة!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-04-25 15:36
الفنان السوري محمد قنوع رحمه الله (Twitter-gorgeous4ew)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

في ليل دمشقي كئيب وبينما كان الخشوع يصل ذروته في إحدى صالات العزاء بحي المزّة.

كان الخطب يومها رحيل المخرج السوري مروان قنوع، وفيما توسّع الشيخ بالدعاء للراحل غرق ابنه الممثل السوري محمد قنّوع في دموعه فاخترنا أن نخاطب وجدانياً في اليوم التالي بالقول: "نعرف أنه عندما يموت أبوك تنهار زاوية سكينتك! يتهدّم الجدار الصلب الذي تتكئ عليه حياتك! ولو كان مجرد خيال يبقى ملاذ خوفك، بهجة قلقك، ورفيق عتمك، مؤازر ضعفك، وخليل بأسك، وربيب نعمتك، ومعلم خطواتك الهشة المتعثرّة لتصبح أصلب... يد الله التي توقفك عندما تقع، وروحه المقدسة التي تسيجك كلما اسودّت أيامك... أول جبهة حاربت الظلم لأجلك... والأخضر المبهج الذي أطلّ عليك منذ مقتبل عمرك! لكنه مشوار مرسوم (..) دموعك موجعة توقظ زحمة من طيف الراحلين، امسحها وأكمل... ما زالت تنتظرنا الحياة!".

لكن لم يكن هناك متسّع من الحياة فبدون أي تمهيد وبعد مضي بضع سنوات على هذه الحادثة  مضى محمد قنّوع (1973-2023) إلى غير رجعة! الخبر كان بمثابة صاعقة وبوقع فاجعة كبرى. حوّل ليل العيد في المدينة مجازيًا لما يشبه نفق مشفى طويل معتم امتلأ لتوّه بالنحيب على فراق صعب! 

إذًا، 49 عامًا هي حصّة الرجل من هذه الدنيا، أودته بعدها صدمة قلبية إلى العالم الآخر.

ومحمد قنوع ليس فنانًا عاديًا. وإلا ما الذي يجعلنا نكتب عنه هنا! ببساطة الرجل كان شغوفاً بالرياضة بقدر شغفه بالفن، وبكرة القدم على وجه الخصوص.

في سوريا لا ينافسه على محبة نادي الوحدة أحد لأنه واجهة البلاد البرتقالية التي يلتف حولها جمهور الشام وريفها، وقد كان حاضرًا في العديد من مبارياته في كرة القدم وكرة السلة. بينما عالميًا تعتبر جملة الروائي خافيير مارياس: «إلى حبى الكبير .. ريال مدريد» بوصلته الكروية، طبعًا هذه العبارة  تصدّرت كتاب «معاركنا الأولى» وصاحبها وضع ضمن قائمة العظماء من مشجعي الريال، والتي تضم شخصيات سياسية بارزة كما تضم نجوم هوليوود مثل توم كروز وأنطونيو باندريس وكاميرون دياز.... من جهته كان محمد قنوع مكتفيًا بما حضرّته له الرابطة الرسمية للنادي الملكي في دمشق العام الماضي، عندما دعته إلى حضور المباراة النهائية في دوري الأبطال مع نادي ليفربول ورحبّت فيه على طريقة الملاعب الرسمية. ثم احتفل يومها بطريقة مجنونة مع الجمهور المدريدي في الشام بلقب "الرابعة عشرة".

محمد ابن عائلة فنية عريقة، وقد اشتغلت لسنوات على المسرح الكوميدي «دبابيس» تحت اسم «الأخوين قنوع» قوامها أحمد وعدنان وهاشم ومروان.

الأخير ممثل ومخرج البث المباشر في إذاعة دمشق، وعرّاب محمد، وربما ملهمه وصاحب الفضل بأن يشعل في روح ابنه هوس الفن المتقّد إلى الأبد، لا يمكن لشيء دنيوي أن يخمد لهيبه. لكن رغم ذلك، سيمنع الأب ابنه من الدخول إلى «المعهد العالي للفنون المسرحية» وسيجرّب إقصاءه من العمل في الفن، ويغلق باب فرقته في وجهه لسنوات عدة، لرغبته العارمة بأن يختار درباً أقل وعورة وخيبات أمل.

لكن شغف الابن كان أقوى. ورغم دراسته السياحة، توجّه الشاب اليافع نحو «المسرح الشبيبي» وحصد جوائز في «مهرجانات دمشق». لاحقًا، انحرف بمسيرته نحو بداية تلفزيونية خاطئة استهلّها في الإعلانات التجارية. لكنه ترك حالة إيجابية في حضوره البدائي هناك، وتعلّم كيف يقف أمام كاميرا.

لاحقاً سيتمكّن وريث «فرقة دبابيس» من الوصول إلى منصّة «مرايا» ويبدأ في اللعب في السلسلة الكوميدية الأكثر شهرة في تاريخ التلفزيون السوري، وأمام "كوميديان" بحجم ياسر العظمة.

منذ عام 1995، صار محمد قنّوع ممثلًا أساسيًّا لا يمكن استبداله في سلسلة «مرايا». التجربة فتحت ذراعي الكوميديا أمامه، وصار يُحسب حسابه في غالبية الأعمال الكوميدية السورية، فيما أسهمت صراحته المطلقة وقوله الأشياء كما هي في وجوه زملائه في تداول معلومات غير دقيقة عن كونه «اللئيم». الصفة لازمته في أدوار الشر التي لعبها ببراعة.

أينما يكون، هناك دور لشخصية تجسد النذالة والوصولية والانتهازية، يمكن أن يكون قنوع مرشحًا لتجسيدها، والنجاح بها بعدما تمرّس على هذه الأدوار التي يعرف جيدًا كل قريب من صاحبها كم هي بعيدة كليًا عن شخصيته الوديعة في الحياة.

المسيرة الطويلة جعلت صاحب الشخصيات البارزة في مسلسلات مهمة مثل «غزلان في غابة الذئاب» (فؤاد حميرة رشا شربتجي) و«الولادة  من الخاصرة» (سامر رضوان ورشا شربتجي وسيف الدين السبيعي) يتسلّم إدارة شركة إنتاج سورية هامة هي abc (صاحبها عدنان حمزة) ويبدأ تجيير علاقاته الطيبة وفهمه القديم للدراما لصالح ما يمكن أن تنجزه هذه الشركة.

هذا العام أطلّ قنوع للمرة الأخيرة في أدوار متباينة للحد الأقصى. الأوّل في «زقاق الجنّ» (كتابة محمد العاص وإخراج تامر إسحاق) أما الثاني فقد كان في «مربى العزّ» (كتابة علي صالح وإخراج رشا شربتجي) وفي «العربجي» (كتابة عثمان جحى ومؤيد النابلسي وإخراج سيف السبيعي) وفي هذا العمل قطف ثمرة نجاح وجهد واضحين عندما أدى الشخصية ببراعة وصنع منها "كاركتر" اعتمد فيه الراحل بشكل لافت على صيغة ثابتة من الأداء تعتمد على التحّكم الدقيق بعضلات الوجه، والمبالغة بإظهار ردّات فعله، إلى جانب العناية بالوعي الجسدي، والشكل البرّاني للشخصية، التي تبدو نكهتها كوميدية رغم أنها بعيدة عن ذلك ضمن خطّها السردي وتصاعدها البياني.

بكلّ الأحوال فقدت دمشق شخصية محببة ذات قيمة اجتماعية لصدقها الصريح وانسجامها الحقيقي مع منظومة اجتماعية محافظة. لم يكن يخجل محمد قنوع بمعتقداته ولا بصلاته ولا بامتناعه عن الخمر مثلاً.

ربما تختلف معه؛ لكّنك حتمًا ستحترم صدقه ومجافاته للمراءاة والادعاء والتصّنع والانتماء للصدق العميق.

هذه النماذج تحبها المجتمعات المحافظة وتعتبرها نموذجاً للفنان الملتزم. لذا أطال خطيب المسجد عند جنازته في ذكر مناقبه، وخرجت عشرات الآلاف تمشي في وراء نعشه بمنتهى الحزن والمهابة!

شارك: