ما بين سام ألاردايس ولامبارد.. هل أدركت الآن صعوبة الأمر
لا، لا تتصور أن حديثي اليوم عن التباين الواضح بين نتيجتي مدرب وست بروميتش سام ألاردايس، أمام كلٍ من ليفربول وليدز يونايتد بعدما تعادلا بهدف في كل شباك في المباراة الأولى على ملعب أنفيلد ثم خسر بالخمسة على أرضه في الثانية بعد عدة أيام.
سام ألاردايس، أو "بيج سام" كما يحلو للكثيرين مناداته، مدرب عتيق في البريميرليغ، لكن لم يسبق لهذا المدرب المتمرس ذي العمر الطويل أن درب أحد أندية الصفوة في الدوري الإنجليزي الممتاز وهو أمر كان يثير سخطه دائمًا.
"أعطوني فرصة تدريب أحد الأندية الكبرى وسترون ماذا أنا فاعل" .. هكذا تفوه سام ألاردايس قبل عدة سنوات بنبرة متحسّرة على التصاق اسمه بمجموعة أندية ما بين المتوسطة والضعيفة وانحسار أغلب صراعاته التدريبية على الفوز بمركز في المنطقة الدافئة، أو نيل مكافأة الخلاص من الهبوط ومشاهدة الكثير من اقتحامات جماهير فرقه للملعب احتفالًا بهذا الإنجاز .. فقط بولتون واندررز كان قادرًا على أن يكسر معه هذه العادة بوصوله للمركز الخامس في إحدى المرات.
شعور ألاردايس ربما يكون شعورًا ينتاب الكثير من المدربين الذين حُرموا لسبب أو لآخر من تدريب أندية الصفوة، وهو شعور طبيعي يحق لكل مدرب فيهم أن يتمكن منه.. هذا لو تجاوزنا فكرة أن ألاردايس مُنح فرصته الذهبية في لحظةٍ ما، بعدما عرض عليه الاتحاد الإنجليزي فرصة تدريب منتخب إنجلترا فأضاع تلك الفرصة بجشع صبياني واضطر للاستقالة من منصبه بعدما تورط في فضيحة نصبت شباكها صحيفة ديلي تليغراف التي تنكّر مراسلوها في هيئة رجال أعمال وعرضوا على بيج سام مبلغًا ضخمًا من المال مقابل تقديمه لبعض الاقتراحات للتحايل على قوانين معينة للاتحاد الإنجليزي، وهي بالمناسبة لم تكن المرة الأولى التي يتورط فيها ألاردايس في مثل هذه الأمور بل سبقتها واقعتان في عامي 2006 و2014 تم اتهامه فيهما بأشياء مختلفة.
لا يهمنا كل ذلك على أي حال، لكن ما يهمنا هو مقولة ألاردايس عن الأندية الكبرى.. بيج سام افترض أن مجرد امتلاكك للاعبين كبار من شأنه أن يجعلك مدربًا كبيرًا وناجحًا، وهي مقولة لم تلقِ بالًا لأمثلة عديدة لمدربين نجحوا بشدة مع فرق متوسطة أو صغيرة لكنهم فقدوا البوصلة تمامًا عندما تولوا مسؤولية أندية كبرى.
في العالم كله وكذلك إنجلترا ستجد مثل هذه الأمثلة كثيرة ومنها على سبيل المثال مدرب معاصر لألاردايس في جل مسيرته مثل دافيد مويس الذي تألق مع إيفرتون، لكنه تاه في فوضى ما بعد أليكس فيرجسون قبل أن يلملم شتاته في تجربته الحالية مع وستهام بعد فترة من الفراغ.
لكن المثال الأكثر وضوحًا حاليًا هو فرانك لامبارد.. الرجل الذي تولى مسؤولية تشيلسي في ظروف صعبة حُرم فيها البلوز من إجراء صفقات لفترتي انتقالات، ومع ذلك تمكن لامبارد من اجتياز تلك الفترة بأفضل طريقة ممكنة وباحتلال مركز مؤهل لدوري أبطال أوروبا، بعد أن ظل أغلب فترات الموسم داخل المربع الذهبي حيث لم يغادره أبدًا منذ الأسبوع التاسع وحتى نهاية الموسم.
جاء الصيف الحالي ليشهد عثور لامبارد على منجم علي بابا! فُتحت كنوز رومان أبراموفيتش على مصراعيها لنجم تشيلسي الأسبق لينعم بسوق انتقالات مبهرة نجح فيها الفريق في تدعيم صفوفه في كل الأماكن تقريبًا وبأسماء من العيار الثقيل وبأسعار هي الأغلى في هذا الصيف الكوروني.
إلا أن انطلاقة لامبارد كانت بطيئة جدًا.. فشل الفريق في إيجاد النسق اللازم لتحقيق سلسلة من الانتصارات، وفقط في فترة وجود حكيم زياش في صفوف الفريق بدا وأن البلوز في طريقهم أخيرًا لإيجاد الطريق الصحيح.
أبرز خيبات الأمل لتشيلسي الحالي هي الثنائي الألماني كاي هافيرتز وتيمو فيرنر.. حتى الآن لا يبدو أن أحدا متأكد 100% من المركز الأنسب للأول.. الرجل يعاني في كل مكان! وإن ظننت أن الأمر مختلف عند مدربه فأنت مخطئ لأن لامبارد في أكثر من مؤتمر وأكثر من زلة لسان بدا غير متأكد من المكان المناسب للاعب، وشاهدنا هذا عمليًا بتجربة هافيرتز في الكثير من الأماكن ما بين المهاجم الصريح وصانع الألعاب والجناح الأيمن دون جدوى!
هافيرتز يبدو تائهًا وإن كان مطلوبًا مني وصفه بصفة من كلمة واحدة فهي "المتخشّب"! أشعر دائمًا وأنا أشاهده أنه مثل الخشبة غير المرنة التي تعاني كثيرًا لتغيير اتجاهها، بينما تكون الأمور كارثية عندما يكون مطلوبًا من لاعب باير ليفركوزن السابق أن ينفذ أي شيء بقدمه اليمنى، إذ يضطر دائمًا لتحويل الكرة إلى قدمه اليسرى ما يضيع لحظات ثمينة جدًا على هجمة الفريق. هل كان هافيرتز بنفس الشكل في البوندسليغا؟ الحقيقة أنه لا، لكنه كذلك لم يكن مرنًا بشكل كبير وربما لم يظهر ذلك بسبب المساحات الأكبر التي نجدها واضحة في مباريات أكثر هجومية كمباريات البوندسليغا.
أما تيمو فيرنر فرغم أن بدايته لم تكن بالكثير من الأهداف إلا أن حالة من الطمأنينة كانت تعتري الكثيرين بخصوصه، فقد كان واضحًا أنه قادر على صناعة الخطورة والتحرك في أماكن مهمة لمركز الجناح الأيسر، ومع دخول حكيم زياش للتشكيلة كان يُفترض أن يمارس نفس الدور الذي يمارسه كوينسي بروميس في أياكس عندما يتلقى عرضيات زياش القُطرية لكن ذلك لم يحدث كثيرًا، ليتأرجح دور فيرنر بين المهاجم تارة والجناح الأيسر، مفسحًا المجال لتامي أبراهام أو أوليفييه جيرو دون جدوى ودون نجاح يذكر حتى وصل الألماني إلى 10 مباريات دون تسجيل.
لامبارد انتقد فيرنر علانية مؤخرًا واصفًا إياه بمن كان سيئًا بالكرة وبدونها على هامش إحدى المباريات، لكن ربما لا تكون تلك هي الطريقة الأنسب للتعامل معه. ففي تحليله لموقع ذي أثلتيك عرض النجم الإنجليزي المعتزل ألان شيرار الكثير من المواقف الهجومية لفيرنر ووضعية جسده في أغلب تلك الكرات والتي تدلل على شيء مهم جدًا.. هذا الفتى فاقد للثقة في نفسه.
شيرار تحدث عن تفاصيل بديهية من المفترض لأي لاعب أن يدركها، منها إحدى الفرص أمام أستون فيلا في الدقيقة 83 والتي يسدد فيها فيرنر ونصف جسده العلوي مائلًا للخلف وهي طريقة قال شيرار إنه حتى في مراحل الناشئين يحذّرون منها وينبهون لضرورة أن يكون نصف جسدك العلوي مائلًا للأمام قبل التسديد للمحافظة على الكرة دون أن ترتفع كثيرًا.
لامبارد أصبح أكثر معاناة مع تشكيلة أكثر اكتمالًا وربما يكون السبب واضحًا هي أن الطموحات صارت أعلى .. تشيلسي ليس بعيدًا عما كان يحققه في الموسم الماضي لكن هذه المرة ما هو مطلوب منه هو اللقب وليس مركزا مؤهلا لدوري الأبطال.. "الوقت" قد يمنحه الفرصة للوصول للتوليفة والطريقة المثلى للتعامل مع هذا الكم من اللاعبين الجدد في تشكيلته الأساسية، وقد ينجح الانتفاض وتقديم شكل مختلف للفريق وهذا أمر أؤمن به فعلًا، لكن المشكلة أن رومان أبراموفيتش قد لا يمنحه هذا "الوقت" من الأساس.. اللهم إلا لو قرر ألا يعيد التاريخ نفسه ويصبح مع لامبارد أكثر حكمة مما كان عليه مع مورينيو وكونتي.