مانشستر يونايتد.. طائر الفينيق كيف يبعث من جديد؟!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-08-25 12:43
الهولندي إيريك تين هاغ المدير الفني لمانشستر يونايتد الإنجليزي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

الدرس الذي لم يستوعبه المدرب إيريك تين هاغ، أنه لم يقرأ تاريخ مانشستر يونايتد جيدًا، ففي نادٍ إنجليزي مختلف تمامًا من حيث القواعد الفنية والنفسية والثقافية والجذور، يصبح المدير الفني كمن يجلس على كرسي محشو بأصابع الديناميت.

مع مانشستر يونايتد لا يمكنك أن تحقق شيئًا يذكر إذا لم يكن لاعبوك مستعدين للتضحية والاستماتة، فالتضحية والاستماتة عنصران أساسيان صنعا أمجاد مانشستر يونايتد مع أشهر وأنجح مدربين مروا على تاريخ النادي، وهما الإسكتلنديان مات بازبي وأليكس فيرغسون، وكلاهما حظيا بلقب سير تحت ظلال الملكة إليزابيث.

منذ أن جاء هذا الأمريكي مالكوم غلايزر لمانشستر يونايتد كمالك للنادي، وهو يعاني من تخبط في الفكر الإداري، وعندما رحل فيرغسون عن النادي قبل عشرين عامًا هبطت المشاكل الفنية على رأسه مثل الصاعقة.

ولكي يضع مسيِّرو اليونايتد حدًا قاطعًا وفاصلًا لما يحدث لفريق كرة القدم ويوقفوا النزيف المستمر بلا انقطاع ولا نفاد، عليهم أولًا قراءة تاريخ مانشستر يونايتد جيدًا، ومن ثم استيعاب أهمية الاستماتة والتضحية بعيدًا عن متاهة سياسة الإحلال والإبدال غير المجدية التي ضربت الفريق منذ رحيل رئته التي يتنفس بها فيرغسون.

السادس من فبراير من العام 1958 هو اليوم الأسود الذي غيّر مجرى تاريخ مانشستر يونايتد رأسًا على عقب، ففي صبيحة ذلك اليوم كانت تنتظر اليونايتد كارثة مروعة تعد واحدة من أسوأ الكوارث التي شهدتها لعبة كرة القدم.

في ذلك اليوم تحطمت طائرة الجامبو العملاقة التي كانت تقل فريق مانشستر يونايتد في مطار رايم القديم في ميونخ أثناء محاولة التزود بالوقود، مع رحلة العودة من بلغراد، التي لعب فيها الفريق ضد رد ستار اليوغسلافي وتعادل معه 3-3 .

على الفور لقي ما لا يقل عن 23 راكبًا حتفهم مباشرة، بينهم ثمانية من أبرز لاعبي اليونايتد، وكان من بين أبرز الناجين من هذه الكارثة شخصان غيَّرا مجرى التاريخ بعد ذلك.

الأول: المدير الفني العظيم الإسكتلندي مات بازبي الذي راح يرمم نفسيات ما تبقى من اللاعبين ويحثهم على ضرورة الاستماتة والتضحية لأجل اليونايتد أولًا، ثم لأجل زملائهم الذين قضوا نحبهم تحت ثلوج ميونخ.

والثاني: اللاعب الإنجليزي العبقري الكبير بوبي تشارلتون الذي بدأ وكأن القدر خبّأه تحديدًا ليكتب تاريخًا مجيدًا لليونايتد وللمنتخب الإنجليزي.

وطوال حقبة بات بازبي مع اليونايتد كمدير فني (1945 - 1969)، أحدث ما يشبه ثورة عظيمة لم تقتصر على إنجلترا فحسب، بل إن بازبي بشعار الاستماتة والتضحية استطاع قيادة الشياطين الحمر للفوز بكأس أوروبا للأندية البطلة لأول مرة في تاريخ بريطانيا العظمى.

مع أول حصة تدريبية للاعبي مانشستر يونايتد بعد كارثة ميونخ كان الحزن يلف غرفة ملابس الفريق، وكانت الرايات السوداء تغطي جانبًا كبيرًا من واجهة ملعب أولد ترافورد، انسابت الدموع في صمت، كان الموقف مهيبًا فعلًا.

فجأة وبرباطة جأش يحسد عليها، وقف المدير الفني مات بازبي يحث اللاعبين على المضي قدمًا في طريق زملائهم الذين كانوا ضحايا الطائرة المنكوبة.

لم يقل بازبي كلامًا كثيرًا، لكنه اختزل المشهد في عبارة بليغة وحكيمة أصبحت بعد ذلك دستورًا في مانشستر يونايتد: "التضحية والاستماتة طريقنا لصناعة تاريخ كبير لليونايتد، بهذا لن نشعر أن رفاقنا رحلوا عنا غيلة".

ثم التقط نفسًا عميقًا مردفًا: "بالاستماتة والتضحية يمكن لطائر الفينيق أن يبعث مجددًا من بين رماد المأساة".

غادر بعد ذلك السير مات بازبي مسرح النادي مكللًا بإنجازات كبيرة كانت في الغالب من تدبيره بمعية الداهية بوبي تشارلتون، ومع خروجه ابتعد المان يونايتد عن طريق البطولات لست وعشرين سنة، إلى أن تنبه مسيِّرو النادي لدستور بازبي، فكان التعاقد مع الإسكتلندي الآخر السير أليكس فيرغسون.

عانى فيرغسون مع اليونايتد ست سنوات عجاف إلى أن استوعب دستور أستاذه بازبي، متيقنًا أن الفريق بحاجة إلى روح لاعب يغرس في نفوس زملائه مفاهيم الاستماتة والتضحية.

وقع اختيار فيرغسون على اللاعب الفرنسي إيريك كانتونا عام 1992 قادمًا من بطل الدوري ليدز يونايتد، وكان انتدابًا موفقًا للغاية، لأن هذا الفرنسي ثائر بطبعه يعشق التضحيات ويستميت في الدفاع عن أحلامه؛ لذا انتقلت هذه العدوى إلى اللاعبين، فأصبحت فيما بعد دليل إنجازات فيرغسون مع اليونايتد.

وبفضل عبقرية مدرب سار على نهج مواطنه بازبي، لم تتوقف شهية اليونايتد عن إحراز الألقاب والبطولات طوال فترة جلوس فيرغسون على كرسي المدير الفني من عام 1986 إلى عام 2012.

وعندما غادر فيرغسون اليونايتد مع الأسف والاحترام كان قد تحول إلى ملك الأرقام القياسية، فقد فاز بالدوري الإنجليزي 13 مرة من أصل 21 موسمًا، بالإضافة طبعًا إلى بطولة الكأس والسوبر ودوري أبطال أوروبا.

من يقلل من مبدأ التضحية والاستماتة ما عليه سوى النظر إلى سجل فيرغسون مع الانتصارات، فهو ملك الانتصارات في الدوري الإنجليزي الممتاز برصيد 528 فوزًا، كما أن فريقه الأكثر تسجيلًا للأهداف على الإطلاق برصيد 1627 هدفًا.

وفي كل مرة كان يتعين فيها تجديد دماء الفريق ليحافظ على النسق المتصاعد، كان فيرغسون ينتقي لاعبين من عينة كانتونا، يؤمنون بمبدأ التضحية والاستماتة، كما هو الحال بكرستيانو رونالدو وروي كين وريان غيغز وواين روني وريو فيرديناند، وغيرهم الكثير.

اليونايتد اليوم غير اليونايتد أمس، يعيش اليوم في حالة تخبط فنية وإدارية ليس لها مثيل، وفي الغالب يعتقد المدرب تين هاغ أن الحل الجذري للمشكلة يكمن في الإنفاق وشراء لاعبين ليسوا على نفس طراز دستور الشياطين الحمر، ولو دقق قليلًا في تاريخ اليونايتد وتعمق في جذوره التاريخية وقرأ محتويات ملفي بازبي وفيرغسون سيصل إلى الحل دون شك.

أنفق اليونايتد هذا الصيف 164 مليون جنيه إسترليني، ومع ذلك لم يحظَ ببداية مثالية هذا الموسم؛ إذ سقط سقوطًا مروعًا أمام توتنهام، قبل أن يحرز فوزًا بشق الأنفس على ملعبه على حساب وولفرهامبتون برأسية الفرنسي رافاييل فاران.

خلاصة الخلاصة ومن وجهة نظر شخصية: لا أعتقد أن إيريك تين هاغ هو المدير الفني المناسب لليونايتد القادر على تحرير فينيق اليونايتد من ركام التدهور المخيف، لأسباب معظمها تتعلق بشخصيته غير المحبوبة، ونهجه التكتيكي العقيم الذي لا يتناسب غالبًا مع تراث اليونايتد المعروف بخصوصيته الشديدة.

اليونايتد في أمس الحاجة لمدرب واقعي يعرف أبعاد وخصوصيات هذا الفريق، ولو ذهب مسيِّرو النادي للسير فيرغسون وسألوه عن الوصفة السحرية للخروج من مأزق الأزمات الفنية المتتالية، لقال لهم صوتًا وصورة: "اعملوا بوصية مات بازبي، وسترون طائر الفينيق يبعث من جديد".

شارك: