كرة القدم ملهمة للفن صانعة للفرح!

تاريخ النشر:
2023-01-07 13:57
أرشيفية- دييغو أرماندو مارادونا يحمل كأس العالم نسخة المكسيك 1986 (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ربما لا يعرف كثيرون أن كرة القدم كانت المساحة المترفة لصوغ الإلهام العالي، عند كثير من الفنانين والأدباء العرب والعالميين، وذلك لم يكن منجزها الوحيد، فقد تخطّته على أرض الواقع بأشواط، لتسبك فرح الجماهير وتحقق ما عجزت عنه السياسة وأهلها! 

فبعد نهاية بطولة كأس العالم التي أقيمت في المكسيك سنة 1986، كتب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش مقالاً طويلاً يصف فيه نجم تلك البطولة اللاعب الأسطوري دييغو مارادونا، استهله درويش بالقول: "لمن سنرفع صراخ الحماس والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجج فينا عطش الحاجة إلى: بطل... بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلّق له تميمة، ونخاف عليه وعلى أملنا فيه من الانكسار؟ الفرد، الفرد ليس بدعة في التاريخ. يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة؟.. ماذا صنعت بالمواعيد؟".

على تلك الشاكلة صاغ درويش حالة أدبية رفيعة مستمدة من كرة القدم، كونها منبعًا حقيقيًّا للدراما، وخاصة عندما يتسيّده لاعب استثنائي مثل النجم الأرجنتيني الشهير الذي أنجزت عنه السينما العالمية فيلمين وثائقيين عظيمين؛ الأوّل صُوِّر سنة 2009 للصربي أمير كوستريتسا بعنوان "مارادونا"، والثاني "دييغو ماردونا" أُنجز سنة 2019 لآصف كاباديا، الذي يفتح في فيلمه أرشيف مارادونا في الفترة التي لعب خلالها دييغو لصالح نادي نابولي الإيطالي، ويعرض فيه لقطات عُرضت لأوّل مرة في تاريخ ساحر الكرة الأرجنتينية. المخرج البريطاني ذو الأصل الهندي سبق أن أتحف جمهوره بعملين وثائقيين عن شخصيّتين مميّزتين؛ الأولى سائق الفورمولا وان البرازيلي إرتون سينا الذي قضى في حادث في الرابعة والثلاثين من عمره، والثانية المغنية البريطانية إيمي واينهاوس التي رحلت فجأة في السابعة والعشرين.

وقد رفض كاباديا إخراج الفيلم عندما عُرِض عليه، لكنه عاد ليوافق، علمًا أن مدير أعمال دييغو كان قد استأجر له مصوّرَين مطلع الثمانينيات، يصورانه كيفما تحرك، مع تجميع 500 ساعة مسجلة من حياته، قُدّمت للمخرج البريطاني الذي انتشل منها شريطًا أيقونيًّا استعان فيه بصوت ماردونا نفسه كمعلق صوتي!

أما الأديب الراحل نجيب محفوظ فقد نوّه مرات عدة بأنه لو لم يكن كاتبًا، لكان لاعب كرة قدم، في حين يصف الروائي التشيكي ميلان كونديرا لاعبي كرة القدم بطريقة لماحة وخاصة؛ إذ يقول: "لاعبو كرة القدم نفس جمال وتراجيديا الفراشات، فتلك تطير عاليًا بمنتهى البهاء، من دون أن يُتاح لها الاستمتاع أو الإعجاب بجمال طيرانها".

ليس صاحب "خفة الكائن التي لا تحتمل" وحده من تشغفه كرة القدم، فها هو ألبير كامو الذي لعب الكرة وولّف بينها وبين الأدب، كتب: "بعد سنوات طويلة، أتاح لي فيها هذا العالم خوض تجارب عديدة، توصلتُ إلى قناعة مفادها- حسبما عشت- أن ما أعرفه عن الأخلاق وواجبات الرجال مدينٌ بكلّه لكرة القدم".. تلك ليست سوى نماذج لعلاقة مبدعي الأدب بكرة القدم، في حين عقّب أدباء وكتّاب ومثقفون وفنانون وشعراء على المطرح الذي ألهمتهم فيه كرة القدم، وأفادتهم بشكل أو بآخر في نتاجهم الأدبي الذي صار مرجعيًّا حول العالم، ومن بين هؤلاء: أمبرتوإيكو وباولو كويلو وخوسيه ساراماغو ويفتوشينكو ومعروف الرصافي وآخرون.

على أرض الواقع، سبقت النتائج كل الصور الرومانسية، وحققت "لعبة الفقراء" إذهالًا حقيقيًّا يوم تمكن أسطورة الكرة البرازيلية بيليه -حسب مجلة "التايم" الأميركية والسيرة الذاتية للنجم الأسمر- من تحقيق هدنة في حرب الانفصال النيجيرية سنة 1967، وهي الحرب الدامية التي أرخت بظروف إنسانية ساحقة ومجاعات عارمة. يومها، زار بيليه البلاد ولعب مع ناديه "سانتوس" ضد فرق محلية في البلد المنكوب.

أما حديثًا، فقد وجّه ديدييه دروغبا، لاعب منتخب ساحل العاج وأسطورة نادي تشيلسي لكرة القدم، نداءً إلى شعبه عقب تأهل بلاده إلى كأس العالم عام 2006 لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات. وبالفعل، انتهت الحرب بعد ذلك النداء بستة أشهر.

المفارقة أن محمود درويش نفسه سبق أن أطلق على لعبة كرة القدم تسمية "أشرف الحروب"، ولعلّ شرفها الناصع يكمن في قدرتها فعلاً على إنهاء حروب عبر التاريخ، ولمّ شمل شعوب وجمع وفاقها!

شارك: