قصص المونديال.. باجيو وذاكرة الجماهير المثقوبة ونهار الطين!
"ليسامح الرب الجميع إلا باجيو"، كُتِبت هذه الكلمات على جدران الفاتيكان بعد خسارة إيطاليا المباراة النهائية لمونديال كأس العالم 1994 أمام البرازيل بركلات الترجيح 2-3، عقب التعادل 0-0 في الوقتين الأصلي والإضافي.
يُعد روبرتو باجيو، النجم السابق لنادي يوفنتوس، أحد أفضل اللاعبين في تاريخ إيطاليا بشهادة محللين، وفاز في مسيرته بالكرة الذهبية عام 1993، ولم تكن إيطاليا لتبلغ نهائي مونديال الولايات المتحدة 1994، لولا تألقه في تلك النسخة التي لم يكن "الآتزوري" مرشحاً للوصول إلى أدوار متقدمة فيها، والتي سجل فيها باجيو 5 أهداف، ولكن الجماهير نسيت كل ذلك ولم تتذكر إلا ركلته الضائعة أمام البرازيل.
سدد باجيو ركلة الترجيح الخامسة (الأخيرة) لإيطاليا أمام البرازيل، وكان "الآتزوري" متأخراً بنتيجة 2-3، وحتى لو كان باجيو نجح في تسجيل ركلته الضائعة، فإن ركلة أخرى متبقية للبرازيل كانت في الانتظار، وكان يمكن لـ"راقصي السامبا" الفوز باللقب عن طريق تسجيل تلك الركلة.
وخلال ركلات الترجيح، أهدر لاعبان إيطاليان آخران، غير باجيو، ركلتي ترجيح، لكن ذاكرة الجماهير المثقوبة نسيت اللاعبين الآخرين وتذكرت باجيو الذي لم يشفع له تألقه في المباريات السابقة بالبطولة.
ما حدث لباجيو مع الجماهير الإيطالية بعد نهائي مونديال 1994، يشبه ما حدث للمعتمد (آخر ملوك بني العباد في الأندلس) مع امرأته التي كانت بذاكرة مثقوبة كذاكرة جماهير كرة القدم، إذ كان زوجها يعاملها برفق ويحرص على تلبية جميع رغباتها لإرضائها، لكنها كانت تنسى كل ذلك لدى أبسط خلاف بينهما، وتقول له إنها لم ترَ خيراً منه قط!
وفي أحد الأيام، نظرت هذه المرأة من شباك نافذة في القصر، فرأت من بعيد امرأة في الشارع تسير حافية القدمين على الطين، فبدأت بالتذمر لدى زوجها مخبرة إياه بأنها محبوسة بين جدران ذلك القصر ولا تستطيع أن تفعل شيئا بسيطا كالتجول حافية في الشوارع على الطين!
ولكي يرضي المعتمد زوجته، أمر عمال البستان بأن يصنعوا لها ممشى من الطين، وأمرهم أن يمزجوا ذلك المكان بالمسك والعنبر والروائح الطيبة والزعفران وأنواع الورود، ثم جعل زوجته تمشي على ذلك الطين.
وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف المرأة عن التفوه بجملتها المعتادة "والله ما رأيتُ منك خيراً قط" أمام زوجها، وذات يوم، حدث خلاف بينهما، فواجهته بهذه الجملة، ما جعل صبر الملك ينفد فقال لها: ولا نهار الطين!
وفي المقابل، طاردت الجماهير الإيطالية باجيو بعباراتها التي عكست المرارة التي كانت تشعر بها عقب خسارة اللقب العالمي، لكن باجيو هو وحده مَن تلقى النصيب الأكبر من سهامها، فإلى جانب العبارة المكتوبة في الفاتيكان، تداولت الجماهير الإيطالية عبارة: "مات سقراط مسموما، ومات نيتشة مجنونا، ومات باجيو واقفا (بعد ركلة الجزاء التي أهدرها).
قاد باجيو إيطاليا لبلوغ نهائي المونديال، لكن إهداره ركلة الجزاء في نهائي المونديال حوَّل النهائي الحلم إلى كابوس عبّر عنه باجيو بقوله: "حلمتُ باللعب في نهائي كأس العالم منذ الطفولة، لكني لم أتخيل قط أن تكون النهاية بهذه الطريقة".