رقصة المدربين مستمرة في انتظار تغيير العقليات!
للأسف مازلنا ندفن رؤوسنا في الرمل، فبدلاً من الاعتراف بالخطأ، نحاول إيجاد أسباب واهية لإخفاء الحقيقة وراء خيوط أَوْهَى من خيوط العنكبوت، ما تعيشه بعض الأندية المغربية لكرة القدم مع المدربين، يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً ورهبة، وهي تغير المدربين بشكل عشوائي، والعودة للمدربين المواطنين (المغاربة) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويظهر هؤلاء المدربين كعجلات احتياطية.. وإطفائيين لإخماد نار احتجاجات الجماهير وغضبهم.
المدرب مغلوب على أمره، دائماً ما يكون الشماعة لتبرير الإخفاقات لسبب بسيط هو أنه فرد واحد يمكن أن يضحى به؛ ولكن هل باستطاعة الإدارة أن تضحي بعدد كبير من اللاعبين بمعاقبتهم وتوقيفهم بعد أن يثبت تقصيرهم؟ وهل ستحاسب الجمعية العمومية بالنادي مجلس الإدارة لعدم اختياره المدرب الكفء وفق معايير محددة؟ وهناك الكثير من الأسئلة لا بد أن نجد لها إجابات شافية قبل أن نعلق الإخفاقات على المدربين.
مدرب يقال وآخر يستقيل وثالث يوقع لهذا الفريق ورابع يرحل، وهكذا حال منافسات البطولة الوطنية الاحترافية لكرة القدم على مدار العام، حتى بات معها ظاهرة تنقل أو تغيير أو ترحال المدربين ظاهرة عادية ومألوفة لكل متتبعي الشأن الكروي ببلادنا، تخيلوا معي فريق يغير مدربه من ثلات إلى أربع مرات.. (المغرب الفاسي وأولمبيك خريبكة والوداد البيضاوي) واللائحة تطول.
صحيح أن إقالة مدرب وانتداب خليفته أمر معمول به في جميع الدوريات بأنحاء العالم؛ لكن الواقع في المغرب يؤكد أن ترحال المدربين باتت ظاهرة شائكة وتزداد مع مضي السنوات، خاصة مع ارتداء اللعبة في بلادنا عباءة الاحتراف، ولا يبدو أن أنديتنا تحبذ مقولة «الاستقرار مفتاح النتائج» ما يجعلها لا تتوانى في التضحية بمدربيها لتهدئة المحيط والأنصار، واستمرار المكاتب المسيرة المهيمنة دون وضع الأصبع على مكامن الداء الحقيقية.
بالرغم من الأخطاء الفادحة التي يرتكبها بعض المدربين بحق فرقهم، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل المدرب وحده تبعات الخروج والفشل والسلبيات وكأنه الشماعة الوحيدة والمذنب، فبعض الإدارات لها أخطاء وكذلك اللاعبين.
المدرب قد يتحمل جزءاً من مسؤولية جماعية، لكنه ليس المسؤول الوحيد عموماً، وبما أنه العنصر الفردي الوحيد بالمنظومة الكروية، فيكون التفريط فيه وتحميله المسؤولية أسهل من غيره.
إقالة المدربين أضحت ثقافة في أنديتنا المهددة بالهبوط على أمل إنعاش حظوظها في البقاء، وحتى الأندية التي تنافس على البطولة عند تعثرها.
والأدهى من هذا، أن التفاوض مع المدربين ومناقشتهم في التفاصيل الفنية هو فن يجهله الكثير من المسؤولين في الأندية المغربية، لذلك دائماً تكون النتيجة الوصول إلى طريق مسدودة تنتهي بإقالة المدرب لأنه تمسك بقناعاته الفنية.
فغياب التخطيط الاستراتيجي في معظم الأندية المغربية يجعل الخطأ يتكرر في التعاقد مع مدرب غير مناسب لطموح الفريق وأهدافه. لا شيء أصعب من تغيير قناعة الإنسان، وأي تغيير في الحياة يحتاج إلى مقاومة وولادة قيصرية.
كلنا في هذه الحياة نكافح من أجل قناعتنا التي نؤمن بها، ونرفض أن نتنازل عنها بسهولة، حتى في معارك الحوار كل واحد منا يشمر عن ساعديه لينتصر لأفكاره، وهنا تكمن قوة الشخصية.
المدرب في كرة القدم يبقى من البشر، تركيبته الإنسانية تجعله دائماً ما يتمسك بقناعاته الفنية، لا يهمه رأي الجماهير أو إدارة النادي معه أو ضده، المهم عنده أن يطبق استراتيجية تدريبية تعكس فلسفته حول كل ما يتعلق بعلم التدريب.
أي مدرب محترم يرفض التدخل في عمله، وهناك فرق كبير ما بين مناقشة المدرب والضغط عليه في فرض أسماء معينة من اللاعبين، ليكونوا في القائمة الأساسية أو الاستغناء عنهم بسبب عدم غضب الجماهير.
أي مدرب محترم يرحب بالمناقشة الفنية من أي شخص مختص مثله في علم التدريب، أو لاعب سابق يملك الخبرة والرؤية الفنية، لكن يرفض أن يناقشه إداري جاهل في أبجديات التدريب.
إقالة المدربين مستمرة في أنديتنا ومرشحة للزيادة، ما يجعل الأمر طبيعياً، كما أنه أضحى مألوفاً أن يشرف على الفريق أكثر من مدرب في الموسم الواحد، حسب النظرة العامة جماهيرياً وإدارياً وإعلامياً، وأصبح المدرب الخيار الأول للتضحية به، لأن ذلك أسهل وسيلة لإرضاء الجماهير، قبل نهاية مدة تعاقداتهم تبقى من الظواهر المتكررة والملحوظة في الساحة الرياضية.
والتساؤل الأكبر: هل هذه الإقالات والمصروفات الكبيرة مبنية على دراسة وأنها ضرورة فنية، أم أنها ردة فعل وشماعة فشل إداري وضعف أداء اللاعبين؟ إقالة المدربين في تاريخ الكرة المستديرة، هي اللغة السائدة في الأندية والمنتخبات، بل أصبحت في أيامنا مصيراً حتمياً يواجه المدرب مهما كانت سمعته في عالم التدريب، والغالب أن ساعة حزم الحقائب تدق عقب خسارة غير متوقعة.
بعض الإدارات تريد أن تبرهن أن لديها فكراً تطويرياً حينما يعتقدون بأن تغيير المدربين باستمرار هو ذروة ما توصل إليه تخطيطهم النموذجي مدعين أنهم دائماً ما يبحثون عن الأفضل -حتى لو كان ذلك له آثار سلبية تربك استقرار الفريق فنياً- فالتطوير لا يكون بتغيير المدرب والبنية التحتية والإمكانات معدومة في حين أن توافرها يعني أنك وضعت اللبنة الأساسية للتطوير، إضافة إلى تقديم الحوافز للاعبين وتفعيل نظام المكافآت على أقل تقدير في ظل غياب احتراف متكامل.
فكل ما سبق ذكره يجنبك تدني المستوى ويؤدي إلى التطوير والإبداع، فمن يقوم بإقالة مدرب بحجة التطوير، وخصوصاً بعد موسم واحد فقط بالتأكيد هو بعيد كل البعد عن أوليات العمل الإداري.
وأعني به أن هناك بعض أعضاء بالجهاز الإداري لكرة القدم لم يمارس اللعبة أساسًا؛ فكيف يستطيع أن يتعامل مع المدرب، فربما يتعامل بالمقلوب لأن الأمور والقرارات الصحيحة قد يراها خاطئة والعكس صحيح، إضافة يجب على رئيس وأعضاء الجهاز الإداري أن يعرف مهماته الإدارية من دون التدخل في الأمور الفنية، فالأمور الإدارية تعني باختصار تهيئة المناخ الملائم للفريق لتذليل جميع الصعاب التي تواجه المدربين واللاعبين، ولعدم التخصص تأثيرات سلبية كثيرة أهمها افتقاد الإداري للغة التفاهم مع المدرب في الأمور الفنية.
احترموا المدربين ولا تجعلوهم عجلات احتياطية؛ لأن شركات السيارات الحديثة استغنت عن ما يسمى بالعجلة الاحتياطية. وبه وجب الإخبار.
آخر الكلام:
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا.. وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا