تحليل | لقطة مفصلية تسببت في هزيمة العراق أمام كوريا!
خسر منتخب العراق معركة صدارة المجموعة الثانية من تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2026، وذلك بعدما تلقى خسارته الأولى في التصفيات أمام منتخب كوريا الجنوبية بثلاثة أهداف مقابل هدفين.
تقدم الكوريون بهدف من سي هون في الدقيقة (40)، قبل أن يعادل أيمن حسين النتيجة للعراقيين بهدف رائع في الدقيقة (50)، لكن أسود الرافدين تلقوا هدفين متتاليين في ربع الساعة الأخير، عبر هيون جيو في الدقيقة (74) وجاي سونغ في الدقيقة (83)، قبل أن يسجل الضيوف هدف تذليل الفارق عبر رأسية إبراهيم بايش في الدقيقة (95).
تحصينات عراقية ولكن..
ركز المدير الفني للعراق كاساس على الدفاع المحكم بشكل كبير في الشوط الأول، وكاد يصل لمبتغاه بإنهاء الشوط الأول متعادلًا، لولا خطأ قاتل للجبهة اليسرى لأسود الرافدين.
لعب كاساس بطريقة 4-1-4-1 عبر وضع ميرخاس دوسكي كجناح أيسر أمام أحمد يحيى، أملًا في تعزيز قوة الجبهة اليسرى للعراق أمام قوة الجبهة الكورية الأخطر.
الأمور كانت تسير بشكل جيد، لكن هناك ملاحظة واضحة في أداء منتخب العراق، وتكمن في قلة المرونة في كثير من اللاعبين، إذ يستغرقون وقتًا أكثر من اللازم لتغيير اتجاهاتهم.
فعندما يقوم الكوريون بتركيز اللعب على جبهة، ينسى لاعبو العراق إمكانية تغيير منافسهم لاتجاه اللعب، فتشعر وأنهم يتأخرون خطوة عن نسق كوريا.
رغم ذلك، إلا أن الخط الأخير للعراق كان يؤدي بشكل جيد، ويعالج أي تأخير في مواكبة الأداء الكوري الذي امتلك وسط الملعب، بواسطة أداء مميز من لاعب وسط العين الإماراتي بارك يونغ وو.
ولأن كانغ إن لي لا يُعد جناحًا بشكل صريح، بل هو أقرب إلى صانع ألعاب، فإن دوسكي كان يطارده إلى عمق الملعب، ثم يدخل في سياق عمق الوسط حتى وإن ابتعد كانغ إن لي عنه.
إلا في لقطة وحيدة تقريبًا، تلك اللقطة التي بالنظر لسرعة اللعب قرر فيها دوسكي وأحمد يحيى تبادل الأدوار، ليراقب يحيى كانغ إن لي ويراقب دوسكي الظهير الأيمن سيول، وهنا كانت الكارثة، إذ قام كانغ إن لي بسحب يحيى إلى الأمام، وشتان ما بين سحب دوسكي وسحب يحيى، فتمركز الأخير أكثر تراجعًا في دفاعات العراق ومن ثم انكشفت الثغرة.
ساعد دوسكي بشكل رئيسي في استغلال تلك الثغرة، بعدما تعامل مع اللقطة بسذاجة كبيرة، وبعدم الانتباه لإمكانية لعب الكرة خلفه وعدم قيامه باتخاذ خطوتين للخلف، تحسبًا للعب الكرة البينية، ليستغل سيول الكرة ويصنع هدف الكوريين الأول.
اقتصرت خطورة منتخب العراق في الشوط الأول على كرة وحيدة، لكنها كانت خطيرة جدًّا، بعد عرضية رائعة وصلت على رأس أيمن حسين الذي على ما يبدو لم يتصور أن الكرة ستعبر من الدفاعات الكورية، لذلك لم يتعامل معها بالشكل المثالي، لتضيع عليه فرصة التقدم، لكن الأقدار كانت تدخر له هدفًا رائعًا في الشوط الثاني.
رحلة العراق للبحث عن النقاط بدأت
الشوط الثاني كان مختلفًا بشكل كبير لمنتخب العراق، فمبدئيًّا بات الفريق أكثر اندفاعًا للأمام، وأقل ميلًا للتخلص من الكرة، من دون تفكير كما كانت تفعل عناصر دفاعه خاصة أحمد يحيى الذي قدم مباراة ضعيفة في الكثير من المناحي.
أصبحت أجنحة العراق أكثر نشاطًا، لكن دائمًا ما كانت المهارة الفردية عاملًا مفصليًّا في تلك المواجهات، ليقوم علي جاسم بما يقوم به من إبداع مستمر. ومع زيادة عددية في منطقة الجزاء، نادرًا ما رأيناها في الشوط الأول، كان أيمن حسين يتحصل على المساحة التي تمنحه الفرصة لإثبات جودته كمهاجم من طراز رفيع، بفعل ضربة خلفية رائعة ليعادل النتيجة.
أفضل ما كان في العراق في هذا الشوط هو أن الفريق لم يتراجع بعد هدفه، بل أصبح أكثر قدرة على تهديد المرمى الكوري، ومع وضوح حلول التعب على بعض عناصر كوريا، مثلما كان الحال مع كانغ إن لي على سبيل المثال، صارت للتبديلات أهمية قصوى.
يمكن ملاحظة ذلك بعدما قام المدرب الكوري بتغيير كل عناصره الهجومية بلا استثناء، أملًا في التنشيط الهجومي، بينما قام كاساس بتبديل عموده الفقري في الوسط والهجوم، بإخراج العماري وعطوان وشلمون وأيمن حسين، رغبة منه في اقتناص هدف في المساحات التي بات الشمشون الكوري يتركها خلفه.
سعدون مخطئ أم ضحية قرار تحكيمي؟
لحظة سرحان عراقية واحدة أو سبب آخر سنذكره بعد قليل، كان مفتاح الكوريين لتسجيل الهدف الثاني، بعدما مر البديل النشيط موون سيون مين على الجبهة اليسرى من مصطفى سعدون المندفع بشكل زائد، ليتكرر نفس سيناريو الهدف الأول تقريبًا، بعدما لُعبت كرة عرضية أرضية فشل الدفاع العراقي في إخراجها بشكل سليم، لتصل الكرة الثانية إلى الكوريين الذين لم يضيعوا الفرصة هذه المرة.
والملاحظة بين الهدفين الأول والثاني هو الغياب الكبير لارتكاز وسط العراق عن مساندة خط الدفاع أثناء العرضية أو الكرة الثانية، وصحيح أن نسق اللقطتين كان صعبًا على مسايرته، إذ ينطلق أحد لاعبي كوريا على الجناح سابقًا الجميع، إلا أنه على الأقل كان على لاعبي وسط العراق أن يكونوا أكثر تركيزًا في لقطة الكرة الثانية وعدم الاكتفاء بدور المشاهد، إذ يمكنك ملاحظة كيف توقفوا تمامًا بعد الكرة العرضية، من دون محاولة لتضييق المساحات أو مراقبة القادمين من الخلف لاقتناص العرضية الثانية.
أما عن السبب الآخر الوارد في الهدف، فهو تلك البطاقة الصفراء غير المنطقية أبدًا من حكم المباراة تجاه مصطفى سعدون، الذي تدخل بشكل سليم بالمكاتفة مع سيون مين أثناء هجمة مرتدة، وهي اللقطة التي لم يكن مبررًا فيها أبدًا إشهار بطاقة صفراء في وجه المدافع العراقي، حتى إن أيمن حسين قضى وقتًا طويلًا يحاول إقناع حكم المباراة بوجود مكاتفة شرعية من دون جدوى.
تلك البطاقة الصفراء ربما تسببت في عدم قيام سعدون بعرقلة أرضية، سواء قبل المراوغة أو حتى لإيقاف سيون مين بعد اللقطة، ليضطر للاكتفاء بالركض خوفًا من البطاقة الصفراء الثانية، بعد أولى ظالمة من دون جدال.
وسواء كان هذا السبب أو ذاك، إلا أنه يمكن وصف لقطة الهدف الثاني باللقطة المفصلية في المباراة، فقبلها كان هناك شعور متصاعد بأن العراق ليس بعيدًا عن تسجيل فوزه الأول في تاريخه في سيول، بينما كان تسجيل الهدف يعني انهيار الدفاعات العراقية لتصبح جاهزة لتسجيل الهدف الثالث الحاسم.
علامة استفهام على أحمد يحيى ورأسيات العراق قاتلة
يمتلك الظهير الأيسر للشرطة العراقي أحمد يحيى إمكانات كبيرة، لكنه يحتاج لمن يروض تلك الإمكانات لصالح طريقة أكثر تعقلًا في طريقة دفاعه.
يحيى لاعب جيد لكنه سهل الاندفاع خلف الكرة أو حامل الكرة، من دون إدراك لمحيطه ولمن يتحرك حوله. حدث ذلك في مباريات سابقة مع العراق والشرطة، وكذلك حدث اليوم في لقطة الهدف الأول الذي يُسأل عنه دوسكي، لكن كذلك يتحمل يحيى مسؤولية فيها.
أما لقطة الهدف الثالث فهي مسؤولية يحيى بشكل كبير، فصحيح أن الجبهة اليمنى للعراق كانت قد أصبحت مخترقة بشكل كبير، إلا أنه لا يوجد أي مبرر ليحيى في عدم إخراج الكرة العرضية، ليسبقه لاعب أقصر منه وأقل قوة إليها، رغم أنه كان أقرب للكرة بكثير، ليكتفي بالتحرك ببطء تجاهها ويا ليته اندفع هذه المرة!
على كلٍ، يُحسب للعراق محاولاته للتعديل وتسجيله لهدف جديد من رأسية جديدة، ليثبت أسود الرافدين من جديد قوتهم الكبيرة على مستوى الرأسيات، سواء من العرضيات المتحركة أو الثابتة، وهي أمور مهمة، خاصة في المباريات خارج الأرض، وسيكون لها قيمتها في القادم، شريطة أن يقدم رجال كاساس مباريات أفضل دفاعيًّا على المستوى الفردي، بعد أن كانوا تنظيميًّا على مستوى الحدث في أغلب فترات المباراة.