برشلونة وريال مدريد.. الماء يكذِّب الغطاس!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-08-04 13:40
لقطة من المواجهة الودية بين ريال مدريد وبرشلونة بالولايات المتحدة الأمريكية (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

خطأ أن نبني تصورات نهائية عن وضعية الناديين الكبيرين ريال مدريد وبرشلونة، بالنظر إلى نجاح المعسكر الإعدادي من عدمه، فكثير ما تكون نتائج المباريات الودية خادعة، لا تعبر بأي حال من الأحوال عن خريطة الطريق المستقبلية. 

وخطأ ساذج أن نقرأ الوضعية الحالية للغريمين التاريخيين من تخوم العناوين، ونغفل عملية التوغل إلى العمق، وعلى هذا الأساس قمة الغباء أن نتعامل مع فوز برشلونة على ريال مدريد في الكلاسيكو الودي بثلاثية نظيفة على أنه نتيجة تعكس حظوظ وحجم المنافسة على بطولة الليغا الإسبانية. 

غير منطقي أن نغرد خارج سرب المثل: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، ونطلق حكمًا لا يقبل الاستئناف على أن برشلونة سيكون الغول في الموسم الجديد، بينما سيلعب ريال مدريد دور الحمل الوديع الباحث عن المركز الثاني.

مجنون هذا الذي يضع برشلونة في مكانة بعيدة عن ريال مدريد لمجرد أن الأول كان في يومه على مستوى الفاعلية الهجومية وديًا، بينما كان الثاني في برج نحسه، وهو يسيطر ويهاجم ويخلق الفرص الكثيرة ويهدرها مهاجموه برعونة، كما لو أنهم يشتغلون في التهريب.

ليس هنا محلل فني في رأسه خلية من مخ يصدر حكمًا نهائيًا على ريال مدريد قبل المداولة؛ لكن النتيجة القاسية التي فاز بها برشلونة وديًا قد تعطي دلالات ومؤشرات على أن ريال مدريد يعاني من عيوب خطيرة يجب إصلاحها قبل أن تقع فأس برشلونة على رأس (الميرنغي) رسميًا وليس وديًا.

عندما غادر المهاجم متعدد المهام الفرنسي كريم بنزيما ريال مدريد مع الأسف والاحترام، قلت إن خروج (الحكومة) يعني خروج منظومة لعب ريال مدريد تكتيكيًا عن الخدمة.

وليس في تصوري هذا ثمة تهويل شكسبيري، بقدر ما هو تصور منطقي بُنيَ على وقائع وحقائق لا يمكن غض الطرف عنها عند تحليل وتشريح المفكرة التكتيكية للمدرب الإيطالي المخضرم كارلو أنشيلوتي. 

بعد خسارة الريال وديًا أمام الغريم التقليدي برشلونة بثالثة الأثافي والنار الهادئة، فتح الكثير من المحللين والفنيين مفكرة الأرقام، ولم يكن بالإمكان تجاوز حقيقة في غاية الأهمية، مفادها:

ريال مدريد كان صاحب أعلى نسبة استحواذ على الكرة، ليس هذا فحسب، فالميرنغي سدد على مرمى البرسا 29 مرة، بينها سبع تسديدات مؤطرة.

في الجانب الآخر، كانت نسبة استحواذ برشلونة ضعيفة على غير العادة، كما أن لاعبيه سددوا على مرمى الريال 12 مرة فقط، بينها خمس كرات مؤطرة.

المفارقة التي تنسف هذه الأرقام وتحيلها إلى هشيم تذروها الرياح أن الفريق الذي سدد 12 مرة فاز بنتيجة عريضة جدًا، بينما الفريق الذي سدد 29 مرة واستحوذ، خسر بصورة مؤسفة على أي حال.

كرة القدم ليست استحواذًا وتدويرًا للكرة والاحتفاظ بها طوال الليل؛ لكنها في النهاية "شطارة" وفاعلية هجومية، ولولا ذلك لما ظل شعار المعلق المصري الشهير الراحل محمد لطيف (الكورة أجوان) ملتصقًا في الذاكرة، لأنه مبدأ يلخص بوعي مفهوم لعبة كرة القدم.

لم يكن كارلو أنشيلوتي بحاجة إلى درس تكتيكي لاذعٍ من تلميذه تشافي هيرنانديز، لأنه عندما استحوذ سلبيًا في غياب الأسلحة الهجومية المدمرة، كان مجبرًا على ذلك، والسبب الذي يبطل العجب أن غياب ملك الحلول (بنزيما) ضرب المنظومة التكتيكية ونسفها عن بكرة أبيها وأمها.

حسنًا، هناك درس آخر تعلمه ريال مدريد في ظل هشاشة عمقه الدفاعي وقلة حيلة عمقه الهجومي:

الاستعراض في كرة القدم لا يعني شيئًا، فمن يريد الاستعراض للترفيه عن نفسه فليذهب إلى السيرك هناك سيجد مبتغاه.

من حسن حظ كارلو أنشيلوتي أن غرفة ملابس ريال مدريد لم تعد بنفس القوة السابقة لخلوها من النجوم الكبار الاستثنائيين، ولولا أن ظهره محمي بـ"البريزيدانت" (فلورنتينو بيريز)، لوجد نفسه خارج مجرة الريال.

وقبل أن يقتنع أنشيلوتي بأن الفرنسي الخطير كيليان مبابي هو العلاج الناجع للجفاف الهجومي، والحل لكل عقدة يعاني منها خط الهجوم، عليه أولًا أن يستوعب حقيقة أن المنظومة التكتيكية شاخت وهرمت وبحاجة إلى صانع ألعاب حقيقي بمرونة بدنية يعيد التوازن للهيكل التنظيمي.

مع طبيعة الأدوار المركبة التي كان يؤديها ببراعة متناهية الفنان كريم بنزيما، لم يكن الريال بحاجة إلى صانع ألعاب تقليدي؛ لأن بنزيما كان يعطي الزيادة العددية في الوسط عند الارتداد، ويعطي نفس الزيادة في العمق الهجومي عند الارتداد.

نقطة حساسة جدًا فضحتها ثلاثية برشلونة لا مفر من التعامل معها بحنكة:

إذا كان تحريك الكرة في البناءات الهجومية بالنسبة لريال مدريد يتم تدريجيًا من وسط الميدان حتى إنهاء العمليات هجوميًا، فإن نقص هذا النهج كان في إيقاعه المتقطع المكشوف الذي يعتمد أساسًا على لمس الكرة كثيرًا، يسهل عملية التمركز الدفاعي للخصم.

حتى لا ننخدع بنتيجة المباراة الودية ونحملها فوق ما تحتمل، حري بنا الاعتراف بأن برشلونة هو الآخر مثله مثل الريال، يعاني من فقدان التوازن دفاعيًا، ولولا فدائية الحارس الذي يمثل جدارًا صلبًا يصلح عيوب زملائه، لكانت فضيحة البرشا وديًا بجلاجل.

 تكون المباريات الودية فرصة سانحة لاكتشاف العيوب والأخطاء، وبالتالي العمل على تلافيها في المباريات الرسمية، وعندما يحين وقت الجد ويلتقي الأستاذ أنشيلوتي بتلميذه تشافي رسميًا، ستتغير معطيات حوار الحذق التدريبي، وستكون الغلبة للماء الذي يكذب الغطاس.

شارك: