المشروع السعودي.. هل يغيِّر موازين القوى في الكرة العالمية؟
شهدت فترة الانتقالات الصيفية الراهنة تحولات كثيرة ومثيرة تعكس مستقبل كرة القدم العالمية في الأعوام المقبلة، والتي كان أبرز ملامحها دخول دوري روشن السعودي دائرة الكبار بفضل المشروع الجديد للمملكة، وسط مخاوف غربية وتساؤلات عن قدرة الدوري العربي في قلب موازين القوى في الكرة العالمية والسيطرة عليها.
بعد أول صفقة أبرمها نادي النصر في يناير/ كانون الثاني الماضي، باستقدام النجم البرتغالي العالمي كريستيانو رونالدو، ظهر الدوري السعودي بقوة في الميركاتو الصيفي، من خلال تعاقدات كبيرة ولافتة بفعل صندوق الاستثمار الذي ساعد أربعة أندية على جلب نجوم من طراز كبير إلى صفوفها، نقلت المخاوف لكبرى الأندية الأوروبية.
وسيطر الخوف من المشروع السعودي على الأندية الأوروبية ومكانتها، وهي المهيمنة من زمان على الصفقات الكبرى والكرة العالمية، خاصة مع قرب إغلاق فترة الانتقالات الصيفية هناك وسط تبقي ما يقرب من أسبوعين كاملين في نافذة الانتقالات بدوري روشن السعودي.
وتأتي مخاوف الأندية الأوروبية إزاء فقدان بعض لاعبيها الكبار لصالح الدوري السعودي، بالنظر إلى الإغراءات المالية الكبيرة التي تقدمها السعودية في الوقت الراهن، مما يعني عدم قدرة الأندية الأوروبية على تعويض لاعبيها الراحلين في ظل إغلاق الميركاتو هناك.
وتعالت الأصوات في الآونة الأخيرة على مستوى القارة العجوز بخصوص المشروع السعودي، الذي بات يشكل تهديدًا صريحًا لكرة القدم الأوروبية، حتى منهم من طلب بتدخل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من أجل إيقافه على غرار رئيس رابطة دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم، لورينزو كاسيني.
كما انتقد الألماني يورغن كلوب، مدرب ليفربول، ميركاتو الصيف في الدوري السعودي، مؤكداً أن فريقه وقف عاجزاً كغيره من الأندية الأوروبية أمام الأموال الكبيرة المقدمة للاعبين من دوري روشن في الوقت الحالي.
وقال كلوب: "فترة الانتقالات تنتهي في إنجلترا في 31 أغسطس/ آب، لكنها ستبقى مفتوحة في السعودية، في حال عدم شعور اللاعبين بالرضا عند بداية الموسم سيكون بمقدورهم الحصول على عروض أكبر في السعودية، فيما لن نملك فرصة تعويضهم".
وخسر ليفربول بعض نجومه لصالح الدوري السعودي، يتقدمهم القائد جوردان هندرسون إلى جانب لاعب خط الوسط فابينيو. وتبدو مخاوف ليفربول منصبة على فقدان خدمات المصري محمد صلاح الذي تلقى عرضاً مثيراً من الاتحاد السعودي، دون امتلاك النادي الإنجليزي فرصة كبيرة للتعاقد مع نجم عملاق لتعويض الفرعون المصري الموسم المقبل.
موقع winwin يبرز في التقرير التالي بلغة الأرقام، واقع الميركاتو الصيفي الحالي، لأبرز البطولات العالمية إنفاقاً ومن بينها الدوري السعودي طبعًا، وسط ارتفاع حدة الفجوة بين إنفاق الدوري الإنجليزي وبقية الدوريات:
جنون في البريمرليغ
يغرِّد الدوري الإنجليزي وحيداً في صدارة أكثر البطولات العالمية إنفاقاً خلال فترة الانتقالات الصيفية الراهنة، بقيمة إجمالية تجاوزت حاجز الـ 2 مليار يورو.
وباتت أندية الوسط في إنجلترا أمثال أستون فيلا ووست هام، قادرة على الإنفاق المالي أكثر من أندية أوروبية عملاقة مثل برشلونة الإسباني وميلان الإيطالي وبوروسيا دورتموند الألماني.
وقامت أندية إنجليزية، أمثال تشيلسي وأرسنال بتغيير الكثير من جلدها هذا الصيف، كما أن مانشستر سيتي لم يتوقف عن الإنفاق رغم إحرازه ثلاثية تاريخية انتهت بالتخلي عن لاعبين كبار بشكل مفاجئ أمثال الألماني إيلكاي غوندوغان والجزائري رياض محرز.
وباتت التعاقدات المجنونة هي سمة الميركاتو الإنجليزي، ولعل أبرز هذه التعاقدات وصول الإكوادوري مويسيس كايسيدو إلى تشيلسي اللندني مقابل 134 مليون يورو رغم أن قيمته الحقيقة لا تتجاوز حاجز الـ 75 مليون يورو.
ميركاتو ذكي في إيطاليا
في الدوري الإيطالي، قدمت الأندية ميركاتو صيفي مثير للاهتمام، حيث يحتل بصورة مفاجئة المركز الثاني في سلم أكثر البطولات إنفاقاً هذا الصيف بقيمة إجمالية تصل إلى 707 ملايين يورو.
واحتفلت الأندية الإيطالية بصورة كبيرة بالاحتفاظ بقوام أبرز نجومها رغم الإغراءات المالية، خاصة حامل اللقب نابولي الذي احتفظ بالثنائي خفيشا كفاراتسخيليا وفيكتور أوسيمين.
ومن أبرز اللاعبين الجدد الذين يستعدون لبدء مشوارهم في الدوري الإيطالي الموسم المقبل: ماركوس تورام المنضم إلى إنتر ميلان، كريستيان بوليسيتش المنتقل إلى ميلان، وماتيو ريتيغي لاعب جنوى الجديد، وروبن لوفتوس تشيك الراحل إلى ميلان، وأخيراً ناتان صفقة نابولي الأكثر أهمية.
لكن الأندية الإيطالية عملت بذكاء هذا الصيف، حيث أقدمت على بيع نجوم بقيمة كبيرة مقابل تعاقدات أخرى كثيرة وبأسعار منطقية، تماماً كما فعل إنتر ميلان الذي تخلى عن الحارس الكاميروني أندريه أونانا لصالح مانشستر يونايتد مقابل 52 مليون يورو، فيما حصل على خدمات الحارس يان سومر من بايرن ميونخ مقابل 12 مليون يورو فقط.
إنفاق ألماني مدروس
على الصعيد الألماني، أنفقت الأندية الألمانية مجتمعة ما يصل إلى 648 مليون يورو للتعاقد مع لاعبين جدد هذا الصيف، وهي أرقام تبدو جيدة مقارنة بما وضعته البوندسليغا على طاولة التعاقدات في المواسم الأخيرة.
ورغم هذه القيمة، إلا أن الأندية الألمانية تخلت عن فكرة الحصول على لاعبين من طراز كبير، خاصة أن الأندية الألمانية بخلاف بايرن ميونخ لم تعد قادرة على استقطاب نجوم صف أول، معتمدة في تعاقداتها على اللاعبين المغمورين والصاعدين.
وخسر الدوري الألماني مجموعة من نجومه الكبار، يتقدمهم الإنجليزي جود بيلينغهام، لاعب بوروسيا دورتموند السابق المنتقل إلى ريال مدريد الإسباني، والفرنسي كريستوف نكونكو المنضم إلى تشيلسي من لايبزيغ.
وتبقى صفقة انضمام الإنجليزي هاري كين، مهاجم توتنهام هوتسبير إلى بايرن ميونخ، الحدث السعيد في البوندسليغا وهي الصفقة التي بلغت قيمتها 100 مليون يورو، وعانى العملاق البافاري كثيراً من أجل إتمامها.
فرنسا تتقدم بفعل سان جيرمان
في فرنسا، يوجد الدوري الفرنسي في المركز الرابع ضمن أكثر البطولات إنفاقاً هذا الصيف وبقيمة إجمالية بلغت 633 مليون يورو.
ويعود الفضل في تقدم الدوري الفرنسي، إلى تلك الأموال التي وضعها باريس سان جيرمان على طاولة التعاقدات هذا الصيف والتي بموجبها حصل النادي الشهير على خدمات عثمان ديمبيلي من برشلونة ولوكاس هيرنانديز من بايرن ميونخ إلى جانب نجوم آخرين.
وبعد استقرار معظم الأندية الفرنسية، بات التركيز منصب على مستقبل كيليان مبابي، مهاجم باريس سان جيرمان، سواء بالبقاء في الدوري الفرنسي الموسم المقبل أو الرحيل صوب ريال مدريد، وهي صفقة قد تشكل ضربة موجعة للدوري الفرنسي الذي خسر العديد من النجوم الكبار هذا الصيف أمثال ليونيل ميسي المنضم إلى إنتر ميامي الأمريكي ونيمار جونيور المنضم إلى الهلال السعودي.
دوري روشن يظهر بقوة
في المركز الخامس، يوجد الدوري السعودي ضمن قائمة أكثر البطولات إنفاقاً في العالم خلال ميركاتو الصيف الحالي بقيمة إنفاق بلغت 606 ملايين يورو.
وبخلاف الاتهامات التي تتعرض لها السعودية، تبدو قيمة الصفقات التي أبرمتها الأندية هناك منطقية للغاية مقارنة بما فعلته الأندية الأوروبية، خاصة أن فارق كبير يفصل الدوري السعودي عن الدوري الإنجليزي؛ لكن اللافت للانتباه تلك الرواتب المضاعفة التي تقدمها السعودية لنجومها الجدد.
ويتصدر الهلال قائمة الأندية السعودية الأكثر إنفاقاً في الصيف الراهن بتعاقدات كبيرة يتقدمها البرازيلي نيمار، لكن المبالغ التي وضعها الهلال على طاولة التعاقدات لا تبتعد كثيراً عن تلك التي أنفقها الأهلي والاتحاد والنصر، وهي الأندية الأربعة المدرجة في الاستثمار السعودي، فيما شعرت أندية أخرى بخيبة أمل لاستبعادها من المشروع وعلى رأسها الشباب صاحب التاريخ الطويل.
وشكل قدوم البرتغالي كريستيانو رونالدو نقطة انطلاق نحو تعاقدات سعودية كبيرة في هذا الميركاتو، وكان من أبرز الأسماء الوافدة للدوري السعودي: الفرنسيان كريم بنزيما ونغولو كانتي "الاتحاد"، البرازيليان نيمار ومالكوم "الهلال"، البرازيلي روبرتو فيرمينو والجزائري رياض محرز "الأهلي"، إلى جانب السنغالي ساديو ماني "النصر" وهم جزء من صفقات أخرى عديدة.
اختفاء الدوري الإسباني
خرج الدوري الإسباني من قائمة أكثر 5 مسابقات عالمية إنفاقاً خلال فترة الانتقالات الصيفية الراهنة، بعد دخول بطولات جديدة أبرزها السعودية.
ولا يبدو خروج الدوري الإسباني مفاجأة، خاصة أن العملاق برشلونة يواجه أزمات اقتصادية حادة أجبرته على تجنب إبرام تعاقدات كبيرة هذا الصيف.
ومع اكتفائه بالحصول على صفقات مجانية على شاكلة الألماني إيلكاي غوندوغان، يواجه برشلونة أزمة أخرى بالتخلي عن بعض نجومه أمثال الفرنسي عثمان ديمبيلي دون التمكن من تعويضهم، فيما ينتظر آخرون التسجيل مثل ماركوس ألونسو في ظل ازدحام سقف الرواتب.
وتواجه بقية الأندية الإسبانية مشكلات حادة مع قوانين اللعب المالي النظيف وسقف الرواتب، مما دفع أندية أخرى مثل أتلتيكو مدريد وفالنسيا وإشبيلية من دخول السوق بقوة هذا الصيف.
ويبقى ريال مدريد النادي الإسباني الوحيد الذي يعيش استقراراً مالياً؛ لكن النادي الملكي لم يُفرط في الإنفاق هذا الصيف واكتفى بجلب صفقة واحدة كبيرة تخطت حاجز الـ 100 مليون يورو بالتعاقد مع الإنجليزي جود بيلينغهام، فيما يبقي أمواله الأخرى حاضرة لصفقة كيليان مبابي التي قد تصبح اضطرارية هذا الصيف.