الشموليّة في نظرة الإسلام للإنسان وعلاقتها بالرّياضة
يقومُ الدّين الإسلامي على أسس ثابتة وخصائص رئيسة لا يستقيم البناء إلا بها وهي متعددة كالعموم والمرونة والشمول، وإذا أردنا التركيز على خصيصة الشموليّة فإنّها في جاءت اللغة من الفعل الثلاثي شَمِلَ، ويشير معناها اللغوي إلى الاحتواء والتضمين، فنقول شمل الشيء أي تضمنه وعمّه.
وتشير شمولية الإسلام إلى تضمّن الرسالة الإسلامية واحتوائها على كل ما يدخل ضمن حاجة واهتمام الإنسان، ويشترط لتحقيق معنى الشموليّة حُسن فهم الشريعة الإسلاميّة واستيعاب ومقاصدها ومفرداتها وما جاءت به.
ويُمكن تعريف الشمولية في الاصطلاح بأنها نظام ممنهج متكامل يهتم بشؤون الحياة بمختلف مجالاتها، على مستوى الفرد والجماعة المسلمة، وبالعلاقة بين المسلمين وغيرهم، والعلاقات البشرية عمومًا.
إن الأحكام الشرعية والتوجيهات والقيم التي قام الإسلام عليها اهتمت بكل جوانب وتفاصيل الحياة، فلم تغلب أحدها على الآخر بل أخذتها في سياق دينامي متفاعل، قال الله تعالى: "ما فرّطنا في الكتاب من شيء" وقال تعالى: "وكلّ شيء أحصيناه كتابا"؛ فالشمول قائم على اهتمام الإسلام بجميع جوانب الحياة الإنسانية المادية والروحية والعقلية والأخلاقية دون تفريط أو تغليب لجانب على آخر، وقد أخرج الترمذي بسند صحيح "آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك متبذلة؟! قالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، قال: فلما جاء أبو الدرداء، قرب إليه طعامًا، فقال: كل، فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل، ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سلمان: نم؛ فنام، ثم ذهب يقوم، فقال له: نم؛ فنام، فلما كان عند الصبح، قال له سلمان: قم الآن، فقاما فصليا، فقال: إن لنفسك عليك حقًا، ولربك عليك حقًا، ولضيفك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا؛ فأعط كل ذي حق حقه، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك، فقال له: صدق سلمان"، كما قال الله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا".
والتربية البدنية والرياضة أحد النظم المهمة للتربية الإسلامية في الحياة العامة على المستوى الفردي والجماعي، وهي حضور قوي وزاخر في القران الكريم والسنة المطهرة؛ كما تحفل وقائع الحياة الاجتماعية في العصر الإسلامي الأول بالأحداث الرياضية قبل وبعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلال فترة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، وكانت هذه الأنشطة الرياضيّة البدنيّة تجد الدعم والتأييد سواء على المستوى الشعبي أو على مستوى الأئمة وعلماء الدين؛ حتى إن ابن قيم الجوزية قد أفرد مؤلفًا كاملًا لها تحت اسم (الفروسية) على سبيل المثال لا الحصر، وهو الاسم الذي عرفت به الرياضة لدى المسلمين، ونقل فيه ما كانت تشهده أيام العرب من أحوال الفروسيّة وممارستها وبيان أحكامها وأحوالها، ولقد كانت من الأنشطة المحمودة التي أثنى عليها، بل مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده، وبعض الصّحابة رضوان الله عليهم، والعلماء والفقهاء على مدى تاريخ الحضارة الإسلامية.
ولهذا فإن الرياضة في الإسلام لم تكن في موضع تعارض أو اختلاف بين الصحابة في العصر الإسلامي الأول ولا بين فقهاء الإسلام في العصور اللاحقة كما كانت عليه في بعض الأديان الكتابية، بل كانت من أحد النشاطات الإنسانية والثقافية البارزة لدى المسلمين في أغلب عصورهم وخاصة المزدهرة منها؛ إذ اقترنت عصور الازدهار بتطور الرياضات المختلفة وممارستها برعاية الخلفاء والحكام، وحملت في طياتها كل مقومات النظام الاجتماعي، فهي معروفة وشائعة ومقبولة بين غالبية المسلمين وتنفذ على مجال واسع معتمدة على مباركة.
ويعلق الدّكتور أمين الخولي في كتابه "الرياضة والمجتمع" على شموليّة الإسلام وعلاقته بالرياضة بقوله: "ويرفض الفكر الإسلامي القبول بثنائية الإنسان مثلما دعت فلسفة الإغريق، وهي الفلسفة التي تفصل ما بين العقل والجسم، لأن واحدية الإنسان أحد مقومات النظرة الإسلامية التي تتصف بالشمول والتكامل، ومن هذا المنطلق فإن الإسلام لا يغلب جانبًا معنيًا على حساب الآخر؛ فلا يدعو إلى الحطّ من شأن البدن كما فعلت بعض الأديان التي جعلت البدن رمزًا للخطيئة والمعصية؛ فتداعت إلى إذلاله وإضعافه بالرهبنة والمسكنة، والإسلام ينظر إلى الطبيعة الإنسانية نظرة تحدوها الاعتبارات الواقعية الإنسانية؛ فالإسلام يحذر الإنسان من نقاط ضعفه بالرغم من القدرات والمهارات والمدارك التي وضعها الله فيه، ولذلك الفكر الإسلامي ينزل الإنسان المنزلة الواقعية، فلا هو يحقر من شأنه ولا هو يرفعه إلى مراتب الغرور والخيلاء مثلما فعل المفكر الألماني نيتشه عندما دعا إلى ما أطلق عليه الإنسان الأعلى "السوبرمان".
إنّ شموليّة الإسلام في تشريعاته وعقائده تسهم في جعل الرياضة البدنيّة ضربًا من التشريع الإسلامي الذي ينال فاعله الأجر على ممارسته ليتقوى به لتحقيق مهمته في الحياة من أجل عمارة الأرض وإصلاحها.