الرّياضة والتّدريب على الجنديّة والقيادة
في مباراة كرة القدم -على سبيل المثال، وهي نموذج لكلّ الرياضات البدنيّة الجماعيّة- لا يستطيع الفريق أن يتجاوز المنافسة مع الفريق الآخر إلّا بقدرٍ عالٍ من الانسجام بين أفراده وضبط الإيقاع في التحرك داخل الملعب ومتابعة اللاعبين الآخرين من الفريق نفسه أو من الفريق المنافس.
وهذا الانسجام يحتاج إلى توزيع للأدوار من المدرب الذي يعدّ القائد العام للفريق، والذي يوكل إلى أحد اللاعبين مهمة القيادة الميدانيّة، وهنا يجد القائد الميداني نفسه ملزمًا بالبحث عن مصلحة الفريق كلّه لا مصلحته الشخصية من خلال تحصيل الألقاب الخاصة، فيكون همّه أن يفوز الفريق كلّه.
ونجد باقي أفراد الفريق في مختلف مواقعهم لا تغيب أبصارهم عن إشارات هذا القائد الميداني فيمتثلون لإشاراته وتعليماته التي قد تكون بمجرد إشارة باليد أو إيماءة من العين أو هزة من الرأس، وهكذا يمارس أفراد الفريق الجنديّة والتبعيّة الراشدة، ويحدث التكامل بين القائد وجنوده في دورة تدريبيّة مكثفة على صناعة القادة وتأهيل الجنديّة.
من أهمّ ما توفّره ممارسة الرياضة لا سيما الرياضات الجماعيّة البدنيّة منها البناء النفسي والتأهيل على ممارسة الجنديّة والقيادة، ولا ينفكّ الإنسان عن احتياجه إلى التدرب عليهما في حياته كلّها، بل إنّ الأموال الطائلة تُوضع اليوم في دورات صناعة القادة، والرياضة هي إحدى أهم بوابات هذه الصناعة.
وممارسة القيادة في مجال التربية البدنية أمر متوافر بشكل عريض لأسباب عديدة، من أهمها ذلك التنوع الكبير في ألوان النّشاط البدني والرياضي وفي درس التربية.
ومع كل العوامل البدنية والأنشطة الخارجية والداخلية، نجد أن هذا التنوع وكلّ هذه المجالات تتيح لأغلب الأفراد أن يتعرضوا لخبرة ممارسة القيادة في مواقف عدة وبالمقابل فإنّهم أيضًا يتعرضون إلى خبرة التبعية الراشدة والجنديّة والامتثال في مواقف أخرى.
وفي كلّ وقتٍ ينتظم فيه الفريق استعدادًا للمنافسة والتأهب لخوض مباراة مع فريق آخر فإنّه يكون بحاجةٍ إلى درجات وأشكال متنوعة من القيادة التي يتدرب عليها أفراد الفريق تدريبًا عمليًّا، وبالطبع فإنّ الأمر يتوقف على العلاقات المتفاعلة بين الأفراد في الفريق ونوعيتها ومستواها واتجاهها من جهة، كما يتوقف أيضًا على المواقف المختلفة المتضمنة في النشاط من جهة ثانية.
وفي هذه المنافسات الرياضيّة التي يُزَّج بها الأفراد لّاعبين أو مدربين في مواقف القيادة، يتحمل الفرد المسؤوليّة كاملةً، لا عن نفسه وحسب، إنّما عن الآخرين في الفريق، وهذا التحمل للمسؤوليّة عن المجموعة وتقديم مصلحتها على المصلحة الفرديّة والبحث عن الآليّات لتحقيق ذلك، هو جوهر التأهيل القيادي، فيجد القائد أنّ عليه أن يعمل على تحقيق أهداف الفريق جميعًا لا أهدافه الشخصيّة وغالبًا ما يتعرض هذا اللاعب أثناء المباراة لمواقف تحتم عليه أن يتصف بكثير من الصبر واحتمال اللاعبين كم فريقه والإيثار ونبذ الأنانيّة وإنكار الذات والمثابرة والمصابرة وإعلاء الصالح العام للفريق وتقديمه على تسجيل الإنجازات الفرديّة باسمه الشخصيّ.
وأمّا في مواقف الجنديّة الحميدة والتبعية الراشدة فإن الفرد يجد نفسه مضطرًا للالتزام بالمعايير الجماعيّة للفريق كلّه، ويجد نفسه ملزمًا بتنفيذ إشارات وتعليمات قائد الفريق وإلّا فإنّه سيكون سببًا في الخسارة وتضييع الفوز على الفريق كله؛ فهو يتعامل بوصفه جزءًا من فريق متكاملٍ يصنع الإنجاز بالجهود التكامليّة بين أعضائه لا من خلال المهارات الفرديّة مهما كانت عاليًة ومتميزة.
ويمارس اللاعب كذلك الامتثال الذي يعتقد أنّه سيكون سبب الفوز الذي سيسجل باسم الجميع لا باسم قائد الفريق فحسب، فتراه يعمل في تعاونٍ كبير ويمارس التفاني العالي والانسجام الرفيع مع قيادته في الفريق، مدركًا تمام الإدراك دوره وعلاقته بأدوار الآخرين.