"إيزي" ميسي.. إنه هالاند!
يقول معظم المراقبين لجائزة الكرة الذهبية (بالون دور)، التي تمنحها مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية لأفضل لاعب في العالم كل سنة، إنها أصبحت جائزة الرهانات الخاسرة، بعد أن ضلت الطريق وحادت عن ثوابتها المتعارف عليها.
والذين يتبرمون من الكرة الذهبية منذ عام 2010 على خلفية سلبها عنوة من بطل العالم الإسباني الرسام أندريس إنييستا، يعتقدون أن الجائزة غيرت جلدها تمامًا، وباتت جائزة ترويج تجارية لا يفوز بها اللاعب المستحق، قدر منحها للاعب الذي يمتلك هدير الآلة الإعلامية والعلامة التجارية.
الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لم تعجبه مكاييل الجائزة التي تتلون معاييرها ومقاييسها على حسب مزاج الشركات الراعية، فأعلن عام 2013 عن جائزته السنوية لأفضل لاعب داخل القارة العجوز.
وكان من أبرز سمات الجائزة أن معاييرها واضحة لا لبس فيها، ومقاييسها منطقية إلى أبعد حد لا تشوبها شائبة، على اعتبار أن الجائزة جائزة موسم كامل، تلعب فيه الأرقام الفردية والألقاب الأوروبية الدور الحاسم في التتويج.
هالاند يحمل جائزة أفضل لاعب في أوروبا لعام 2023
وعلى هذا الأساس سارت الجائزة على نهج الوضوح والمصداقية منذ أن خطفها نجم بايرن ميونخ الفرنسي فرانك ريبيري من مخالب وأنياب الوحشين البشريين رونالدو وميسي.
طوال تراكمية عقد من الزمن لم يحدث أن أثارت هذه الجائزة جدلًا في خياراتها الدقيقة، لقد استفادت هذه الجائزة من أخطاء مجلة فرانس فوتبول ومعاييرها الضبابية التي تتلون حسب الأهواء، وبالتالي لم تسمح لفيروسها التجاري أن يتسلل إلى دورتها الدموية.
ولعل فوز النرويجي العملاق إيرلنغ هالاند بالجائزة الأوروبية الثمينة هذا العام على حساب الأرجنتيني ليونيل ميسي، دليل دامغ على أنها جائزة لا تهتم بالأسماء وهديرها الإعلامي، قدر اهتمامها بالعطاء على مدار الموسم.
وكما بدأ النجم الكبير الأرجنتيني ليونيل ميسي الجدل الصاخب حول معايير ومقاييس جائزة (البالون دور) عام 2010 بالشراكة مع الاتحاد الدولي، عاد هذا النجم ليثير بعض الغبار حول مصداقية الجائزة الأوروبية، على خلفية إقحامه في قائمة المرشحين الثلاثة، وهو الذي يمتلك أرقامًا أوروبية متواضعة للغاية مع ناديه السابق باريس سان جيرمان.
من دون شك وجود ميسي بين قطبي لاعبي مانشستر سيتي النرويجي إيرلينغ هالاند والبلجيكي كيفن دي بروين، جعل الشك يساور الكثير من المهمومين بمصداقية الجائزة؛ لكن حفل التكريم بدد كل سُحب المخاوف، معيدًا مياه الجائزة بمعاييرها ومقاييسها إلى مجاريها.
ما يثير إعجابي في الجائزة الأوروبية أنها تستوفي كل الشروط، ولا تخل بركن من أركان التدقيق والتمحيص في الأرقام الفردية والألقاب الجماعية، وهي جائزة في ظاهرها تكريم فرد، وفي باطنها الانتصار لروح الفريق الواحد، عكس جائزة (بالون دور) التي يضرب فرسانها بالمقاييس والمعايير عرض الحائط، فيدوسوا عليها بأقدامهم عندما يريدون، ويضعونها في وجوه آخرين عندما يرغبون.
وبالعودة إلى المقاييس والمعايير التي تبناها الاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الجائزة قبل عشر سنوات، سنجد أن آخر من يحق له الحديث عن المنافسة هذا العام هو ليونيل ميسي نفسه.
وقبل أن يهيج عشاق النجم الأرجنتيني الكبير ويتهمون العبد لله بأنه حاقد ومتشائم غراب لا يرى إبداعات هذا اللاعب، أوجه سؤالًا:
- أي أرقام شخصية يمكن أن ينافس بها ميسي مهاجم مانشستر سيتي النرويجي الوحش إيرلينغ هالاند، الهداف الذي عبث بكل الأرقام في البريمرليغ، وفي دوري أبطال أوروبا؟
- إلى أين وصل ميسي مع فريقه باريس سان جيرمان في أعرق البطولات الأوروبية وأمجادها؟
- ما أرقامه مع فريقه في دوري الأبطال؟
- وكم نسبة تأثيره على الفريق قاريًا؟
كان الخطأ من الأساس أن الاتحاد الأوروبي جامل ميسي بحشره في قائمة لا له ناقة فيها ولا جمل، ليس لأنه بهذا الخرق الغريب تجنى على حقوق آخرين؛ ولكن لأن بطولة كأس العالم التي اعتبرها الاتحاد الأوروبي (مسمار جحا) ليست بطولته، ولا يشرف عليها، وقد سبق للفيفا أن منحت ميسي لقب أفضل لاعب في العالم.
تمنيت لو أن الاتحاد الأوروبي التزم الصمت تجاه الحملات الإعلامية المنددة بفرض ليونيل ميسي بين ثنائي مانشستر سيتي الهداف هالاند، وصانع الألعاب الماهر البلجيكي دي بروين، لكنه للأسف دافع عن خياره بمبررات مقلية على زيت المجاملة، فكان كمن أعمى عين الحقيقة بحجة تكحيلها.
المسألة هنا يا سادة ليست مسألة إدخال بطل العالم ليونيل ميسي بين البصلة وقشرتها، لكنها مسألة مقاييس سار الاتحاد الأوروبي على نهجها دون مراعاة أن هناك لاعبين اثنين فازا بكأس العالم، وبالبطولة المحلية مثل الحارس الألماني مانويل نوير عام 2014، والمهاجم الفرنسي كيليان مبابي عام 2018، لكنهما لم يظفرا بالجائزة، لأن المقاييس والمعايير لا تنطبق عليهما.
في عام 2014 فاز بالجائزة البرتغالي كريستيانو رونالدو مهاجم ريال مدريد، لأنه كان متألقًا طوال الموسم بإحرازه لقب دوري الأبطال، بينما كان خيالًا مع البرتغال في نهائيات كأس العالم بالبرازيل.
وفي عام 2018 كان المتوج بالجائزة الكرواتي لوكا مودريتش صانع ألعاب ريال مدريد، نظير فوزه بدوري الأبطال مع ريال مدريد وبالدوري الإسباني، بينما وجد كيليان مبابي نفسه خارج القائمة، رغم تألقه وقيادته للديوك للفوز بكأس العالم.
وعندما تعالت بعض الأصوات منددة بما يحدث، خرج علينا الفرنسي البروفيسور آرسين فينغر ليفسر ويوضح أن الجائزة جائزة موسم متكامل، وليست جائزة كأس عالم.
كان فينغر كرجل فني واضحًا للغاية في مسألة فصله بين معايير جائزة الفيفا، ومقاييس جائزة الاتحاد الأوروبي، بمعنى أن جائزة الفيفا معنية تمامًا بكأس العالم، بينما جائزة الاتحاد الأوروبي جائزة موسم متكامل الغلبة فيه للفائز بدوري الأبطال.
حسنًا يا سادة، لطالما كانت اللجنة الفنية المنبثقة عن الاتحاد الأوروبي تستجيب لنداء الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل، على هذا الأساس فإن هالاند كان جديرًا بنيل الجائزة على بساط الجدارة والاستحقاق، بالنظر إلى دلالات أرقامه الفردية المرعبة.
في الواقع هناك لاعبان يقتربان من أرقام هالاند الفردية تجاهلهما الاتحاد الأوروبي، وقد كانا أجدر من ليو بالحضور كمرشحين هما: لاعب باريس سان جيرمان كيليان مبابي، ولاعب نابولي الإيطالي النيجيري جوزيف أوسمين، لا يمكن أن تقارن أرقام هذا الثنائي بأرقام ليونيل ميسي المتواضعة مع فريقه، مهما حاول فرسان الجائزة تبرير حضور ليو في القائمة المختصرة.
وحتى لا يغضب مني عشاق البرغوث ليونيل ميسي، أقول إنني ناقشت القضية من منطلق ثوابت المقاييس والمعايير للجائزة، ولا دخل هنا للعاطفة في الأمر.
في تقديري الشخصي كان على الاتحاد الأوروبي عدم إحراج ليونيل ميسي بهذا الإقحام غير الحميد، ومن ثم وضعه كمالة عدد، وهو يعلم أن موسمه الأوروبي مخيب على مستوى الألقاب والأرقام القارية، وبالتالي كان يفترض تخصيص جائزة خاصة بميسي، تكون تذكارًا استثنائيًا للاعب أسعد أوروبا لعشرين عامًا.
"إيزي" عشاق ومحبي ميسي، ليس هناك ما هو أفضل من التواصي بالحق والتواصي بالصبر عند إعطاء كل ذي حق حقه قبل أن يجف عرقه، وكل جائزة وعشاق ليو بألف خير.