إعلامنا بين سندان التفاهة ومطرقة المتسللين..!
الانزلاقات التي طالت مجال الإعلام الرياضي، بعد تسلل عناصر دخيلة أسهمت في نشر التفاهة والرداءة، وأفسدت جمالية نقل الأخبار لافتقارها للاحترافية والمهنية، وسعيها للبحث عن رقم في عداد المشاهدات من خلال التركيز على الأخبار التافهة.. وفّرت لهؤلاء التافهين فرصة للظهور والانتشار والخروج من جحورهم، بعدما تطبّع الناس تدريجياً مع هذا العبث الإلكتروني، من خلال الدفع بهؤلاء النكرات والمجاهيل الذين لم يكونوا شيئاً مذكوراً، دفعت بهم إلى مدارج الشهرة ومصاعد النجومية، نتيجة قيامهم بأعمال عبثية وأشياء تافهة، ولو على حساب الإعلام الرياضي، وأضحى بعضهم يفتي ويحلل ويناقش وينتقد بدون أدوات معرفية، بل حوَّل نفسه إلى مرجعية للإفتاء والتحليل والنقد.
وجدت التفاهة فرصتها العظيمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي كالأخطبوط تنتشر في كل مكان للتشويش على التميز والإبداع، وتهميش الإعلام الرياضي.
بين الفينة والأخرى أتأمل وأقارن بين عصرنا الحالي والتطور الكبير الحاصل في وسائل الإعلام المختلفة ودخول منصات التواصل الاجتماعي في السباق على كعكة جذب الانتباه والتميز بالطرح والأخبار بدون أدوات معرفية، وبين العهد القديم للإعلام سواء الورقي أو الإذاعي أو التلفزيوني والإلكتروني؛ فسابقاً كانت الشروط صعبة لمن نستطيع أن نطلق عليه لقب إعلامي، وكانت لباقتهم ولياقتهم النثرية وجودة ما يطرحونه مميزة بشكل كبير، ولا يمكن مقارنتها بما يحدث الآن.
أما اليوم، هاتف ونصف دولار رصيد مقابل خدمة إنترنت، (وها أنت إعلامي) تفتي تنتقد تحلل وتقوم بصناعة خبر لينتشر كالنار في الهشيم.
حتى إن المسؤولين يرتعشون خوفاً من خرجاتهم في فضاءاتهم، ويوفرون لهم كل الظروف، والأدهى فقد أصبحت لهم مكانة لدى مسؤولي آخر الزمن، نحن بالفعل في زمن يتسم بالإمكانات الكبيرة لكن بمحتوى سطحي غير ذي جدوى سوى لجذب الانتباه بإثارة لا تقدم لنا أي مفيد في عصر كان من المفترض فيه أن يكون داعمًا للإعلام الجديد بالتطور والإنجاز، وطرح مواضيع هادفة تُرضي المشاهد وتفيده بالكلمة والمعلومة والرأي بعيدًا عن الإثارة والتفاهة.
فالخطاب الإعلامي يعاني نتيجة اضمحلال الرؤية، وبكل صراحة أصبحنا مجرد أرقام لا حول لنا ولا قوة، لكننا بارعون في المزايدة وفي إنشاء الجمل المنمقة، وبارعون في محاصرة أنفسنا بأنفسنا والسبب "لغاية في نفس يعقوب" ممن تستهويهم مصالحهم الشخصية أو الفئوية الضيقة.
إن تطور الرياضة في أي بلد مرهون بتطور إعلامه الرياضي، الذي يلعب دوراً محورياً في إشعال فتيل المنافسة، ورفع المعنويات، وتوجيه الأنظار إلى ما يمكن وصفه بـ “الأخطاء”، وحتى لا تتكرر هذه الأخيرة، يأتي دور الإعلام في أن يضع المجهر على الحالة ويقوم بتشريحها كطبيب جراح، المهم في الموضوع، ألا تفوتنا شاردة من هنا، ولا واردة من هناك، وأن نكون عند حسن ظن متابعينا الأذكياء.
وكل ذلك نفعله بمودة وانتماء إلى مهنة قدر لها أن تكون في موقع المراقب والناصح، وأحياناً صانعة للحدث.
نصل اليوم إلى مرحلة الخجل بسبب ما نشاهده في وسائل الإعلام من بعض هؤلاء الأشخاص الذين يطلق عليهم لقب "إعلاميين"، وانحدار على المستوى الأخلاقي ومنظر لا يليق برياضتنا الحبيبة، الإعلام اليوم هو المرآة الذي من خلالها تبرز ثقافات الشعوب لكن بما يحصل في حاضرنا لم تظهر سوى المهاترات ورفع الصوت والشتم، وكثيراً ما نجد اختلالًا في المعايير المهنية ونبل المهنة.
وللأسف قد وصل بنا الحال إلى أن نحزن على ما نراه بسبب المحسوبين على الإعلام الرياضي، كما أن الدوري المغربي متابع من دول عديدة ولا يستحق منّا أن نقدّم نماذج مسيئة لا تمس لواقع الجمهور المغربي، فمن غير الممكن أن نرى قذفًا على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي ومناوشات عبر البرامج الذي تبث على قنوات مختلفة، وتحريض الجمهور على بعضهم من خلال ما يطرحونه من مواضيع، خطر التعصب اليوم قد يهدم القيم المجتمعية للفرد، علاوة على ذلك نلاحظ أن مقدمي البرامج حريصون على استضافة الأشخاص المتعصبين كروياً بهدف بناء نجاحهم على الإثارة المفتعلة، فإذا كان هذا الإعلام فلا عتب على المخرجات، وعلى اعتبار أن تعصب الإعلاميين الرياضيين يعد خطراً على المتلقين، وتدميراً لقيم التنافس الشريف، وتفتيت اللحمة الوطنية من خلال زرع الحقد والكره للفرق المنافسة، وأن ظاهرة الإعلاميين المتعصبين الذين لا ينظرون بنظرة الإعلام الواعي المؤثر الذي ينقل الخبر والمعلومة بصدق زادت لدينا بشكل ملحوظ، بل منهم من جعل نفسه أضحوكة باختلاق القصص والروايات الكاذبة.
ما ننظر إليه اليوم لا يتناسب مع كل الجهود التي بذلت في سبيل التنمية لرياضتنا، وبكل أسى ينقصنا في الوقت الراهن عدّة أمور لتقديم إعلام رياضي نزيهٍ يليق بسمعة بلدنا، وأول قرار يجب اتخاذه هو إعادة هيكلة الإعلام ووضع عقوبات رادعة لكل من يتجاوز أو يسيء لسمعة الكرة المغربية.
مع إيقاف نزيف المتسللين للإعلام الرياضي الذين عاثوا فسادًا في قطاع الإعلام الرياضي.