يا أسفاه على تحكيمنا وتسيب لاعبينا وإداريينا!
الحديث عن التحكيم في لقاءات البطولة المغربية الاحترافية بات حديث الساعة، بل أصبح كابوسًا مزعجًا، يقض مضاجع المسؤولين بسبب تراكم الأخطاء، للسيل الجارف من كثرة الاحتجاجات؛ سواء من اللاعبين، أو الأطقم الفنية، أو الإداريين، بواسطة برقيات التنديد والاحتجاج الميداني، الأمر الذي شتت تركيز لاعبينا، ليحولوا النزال من مواجهة الخصم، إلى معركة مع الحكم، يحتجون فيها على أبسط قرار، مع دخولهم دوامة الاحتجاج والاعتراض.
فظاهرة الاعتراض المتكررة على قضاة الملاعب في الدوري المغربي، والاحتجاجات المتكررة على الصافرة، هي محاولة للتأثير في قرارات الحكم خلال المباريات، الفريق هو الخاسر الأول في أي اعتراضات غير منطقية على قرارات الصافرة، لأن العقوبات المتوقعة من الحكم تبدأ بالتنبيه أو الإنذار وتصل إلى الطرد، ما يدفع الفريق للعب ناقص العدد، ويهدد حصوله على نقاط المباراة.
فالجدل التحكيمي لمباريات كرة القدم صراع قائم على مر العصور، ورغم إدراج تحديثات في قوانين لعبة كرة القدم بين الحين والآخر، فإنها لم تجدِ نفعًا، فما زال الحكم بين موقفين؛ إما أن يكون الجاني أو المجني عليه، وفي كلتا الحالتين يظل الحكم صامتًا تجاه ما يحدث من حوله لأنه "قاضٍ"، لا ينطق إلا بالحُكم، ولا يعلق عليه، فأسبابه لنفسه مهما كانت وصلات النقد، أما عن كيفية حفظ الحكم لحقوقه، وكيف تحافظ الأندية المتضررة من الحكام على حقوقها، فذلك بيت القصيد، لأن حتى عقوبات اللجنة المركزية على التحكيم في الاتحاد المغربي شبيهة بقرارات هيئة الأمم المتحدة؛ إدانة أو عقوبات صامتة، في غياب تحكيم احترافي على مستوى التحكيم، والأكيد أن منظومة الكرة المغربية تشهد ظاهرة تثير الكثير من التساؤل، إذ كيف لحكام هواة أن يقرروا ويحكموا في بطولة للمحترفين؟
العلاقة القانونية بين الاتحاد المغربي والحكام هي وثيقة واحدة لا تستند على مرتكز قانوني.. وثيقة تفيد بما يلي: "أنا الموقع أدناه، أقر أني أتطوع في خدمة الاتحاد المغربي في إدارة مباريات البطولة التي ينظمها كحكم".
الوثيقة تظل هي "العلاقة القانونية" التي تربط الحكم المغربي بالجهاز المسؤول عن كرة القدم المغربية.
صحيح أن الاتحاد المغربي يحاول، وهو يخصص لهذا الحكم شروطًا تساعده على أداء مهمته التحكيمية، وأن يشتغل في أفضل الظروف، خاصة على مستوى قيمة التعويضات المالية التي يتسلمها (300 دولار) للمباراة، وكذا تعويضات التنقل والإقامة (600 دولار)، لكن الحكم، ومع ذلك، يظل الحلقة الأضعف، تشريعيًا وماليًا، في المنظومة الكروية الوطنية.
إنه الشغف والمتعة وعشق المهنة الذي يتملك قضاة الملاعب، فينسيهم ما يتعرضون إليه من ضغوطات ومضايقات واعتراضات من قِبل الجماهير أو المدربين واللاعبين، الذين قد تستبد حمى الغضب برؤوسهم نتيجة قرار تحكيمي لم يعجبهم، فيقدمون على حماقات غير محسوبة، كشتم الحكم وإهانته لفظيًا، في مشاهد حولت أصحاب الصافرات من قضاة يتسيدون الملاعب إلى محطة للنقد بشتى الوسائل.
فالحكم ملك الملعب، والعدل أساس الملك، وكي ينجح الحكم في عمله فعليه أولًا أن يترك مشاعره وأهواءه جانبًا، ليس المطلوب من الحكام حفظ القوانين فحسب، بل المطلوب فهمها واستيعابها وتسخيرها بذكاء من أجل إيصال المباراة إلى بر الأمان، والحزم من غير تعنت، واللين والبشاشة في غير ضعف، فضلًا عن الهدوء والتحكم بالأعصاب، كل تلك هي الصفات المطلوبة في قضاة الملاعب كي يحسنوا الإمساك بزمام المباريات، شأنهم شأن جميع فرق العمل مع قائديها؛ إذ يعتبر نجاح الحكام المساعدين في عملهم نجاحًا لحكم الساحة، وفشلهم فشلًا له.
أما حكاية حكام "الفار" فتلك قصة وسيناريو آخر، يؤجج حرارة المدرجات ويشعلها، بل يدفع مفتقدي الوعي بالتصرف شغبًا ورميًا بكل الوسائل على أرضية الملاعب، فكيف تتوخى هدوءًا في المدرجات، ومسؤولو الأندية يحتجون بطرق بدائية، ومدرب يهيج هيجانًا على قرارات التحكيم، ولاعبون يشيطون غضبًا عند كل صافرة، وهنا استشهدُ العرب -العامة والخاصة منهم- منذ قرونٍ بقول سبط بن التعاويذي: "إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضاربًا، فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ".
وحديثي هنا يذهب إلى منظومة التحكيم والمنتمين إليها، حيث سمعنا على مر عقود أنهم الحلقة الأضعف وهم الشماعة لكل نتيجة سلبية، لكن لابد من تصحيح المقولة بناء على الواقع الحقيقي، فالحكم هو الأقوى وهو الأكثر تأثيرًا في النتائج، وعليه تُتخذ قرارات وعقوبات وغرامات وأحيانًا حسم بطولات، وهنا لابد من تثبيت المثبت أساسًا أنه لا مساس بكرامة أو ذمة حكم، فكلهم أبناء الوطن ولا يمكن التشكيك في ذلك، لأنه يصبح تشكيكًا بأنفسنا وهذا ليس محل نقاشنا، لكن قضاة الملاعب وجهاز التحكيم يمرون بحالة تراجع أصبحت واضحة للعيان، وأثرت في عدة نتائج، وقد اشتعل الشارع الرياضي غضبًا، لكن الحكم وجهازه المعاون لديهم كل الحماية من اللجان القانونية والتشريعية والتنفيذية، ويأخذ حقه كاملًا لأي تجاوز داخل الملعب أو خارجه.
المشكلة برمتها لا تكمن بالخطأ التحكيمي بل بتكراره مرارًا وفي كل موسم، هنا الخلل، والحل لدى الاتحاد المغربي، وقد أصبح أمرًا ملحًا لضرورة تطوير تقنية الفيديو بشكل فاعل وفعال، لا أن تبقى مجرد مساحيق نزين بها نقلنا التلفزيوني، وفي ذلك حل الأزمة، أو ربما إسهام بنسبة كبيرة جدًا في انفراجها، حتى نخفف الضغط النفسي على الحكام، وبالتالي زيادة ثقتهم بأنفسهم، وربما يساعد ذلك بقوة في تقوية أداء الحكام وتطور قدراتهم.