إضرابات اللاعبين عنوان دورينا!
لا حديث في الوقت الراهن «رياضيًّا» سوى عن الدوري المغربي، وما يعرفه من هزات عنيفة على مستوى أرضيته وتضاريسه، وما تشهده الأندية من اضطرابات مالية خطيرة، حولت الملاعب إلى ساحة للاحتجاجات والإضرابات، لاعبون يرفضون خوض التدريبات، منهم مَن لم يجد رغيفًا ليقتات به، وآخرون انقطع عليهم الماء والكهرباء، لعدم توصلهم بأجورهم لعدة شهور، وموظفو ومستخدمو الأندية رفعوا شعارات ضد مسؤولي أنديتهم مطالبين بمستحقاتهم العادلة، لإعالة أسرهم ولأنها مصدر رزقهم، وآثروا إيصال أصواتهم بالاحتجاج والتوقف عن أداء عملهم.. مواقف تتكرر سيناريوهاتها خلال كل أسبوع، ونحن في عز النسخة الثالثة عشرة من الصيغة الاحترافية، ومن المفروض أن يكون الدوري -بحكم التجارب- قد قطع أشواطًا مهمة على درب الهيكلة والتنظيم، وإرساء أسس ممارسة رياضية سليمة.. إلا أن العكس هو الحاصل الآن، فدورينا يعاني من مشاكل كثيرة، أثرت كثيرًا في مردودية البطولة وإيقاعها العام.
مشاهد تسيء إلى سمعة الكرة المغربية وتخدش صورة "البطولة الاحترافية"، ليتواصل معها حراك عدد من الأندية الوطنية بخوض لاعبيها الإضراب عن التمارين احتجاجًا على عدم توصلهم بمستحقاتهم المالية، والكارثة أن الأمور بدأت تستشري كوباء فتاك، وذلك بمقاطعة التدريبات.
إضرابات لاعبي الأندية المغربية عن التدريب تأتي في وقت تعرف فيه المملكة نهضة كروية غير مسبوقة، جعلتها تحظى بالإشادة من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، والاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف".
على الرغم من بعض مظاهر الضعف وعلامات الخلل التي تعتري جل الأندية المغربية، فإن أي متتبع موضوعي أو مراقب محايد لا يمكن إلا أن يعترف بالتطور الإيجابي الذي شهدته الكرة الوطنية، في شخص المنتخب المغربي، وقد امتد هذا التطور ليشمل إصلاح ملاعب وتشييد مركبات رياضية عديدة بمعايير دولية، والانتقال إلى تجربة الاحتراف، وعودة الجماهير الغفيرة إلى المدرجات، مسنودة بفصائل لا تتوقف عن بث الحماس والتشجيع، والترنم بأهازيج مبدعة، ورسم "تيفوات" ولوحات بالغة الدلالة؛ ما جعلنا نشاهد أحيانًا لقاءات كروية مغربية تفوق قيمتها بعض المقابلات الكروية الأوروبية.
بيد أن هذا لا يعني أننا نخفي عن قصد بعض الأمراض والعلل التي يعاني منها جسدنا الكروي، من قبيل قلة الكفاءة على مستوى التسيير الإداري، والتكوين الرياضي المسؤول والجاد، والتغيير المتواصل وغير المبرر للمدربين، وتحصين الفرق من الخصاص المالي، الذي قد يكون سببًا عصيبًا وراء المصير المأساوي لمستقبل بعض الفرق الكبرى، ومشاكل التحكيم والبرمجة غير المحكمة والمنصفة لبعض اللقاءات، واستفحال ظاهرة الشغب... الأمر الذي جعل جل اللقاءات تجرى في مدرجات فارغة، بسبب الشغب الجماهيري، ما زاد في طين أزمة الأندية بلة.
المشكلة أنه بعد كل مشكل أو انتكاسة كروية يتم الحديث عن النقاط نفسها، التي نسمعها من سنوات طويلة، أي أننا ندور في حلقة مفرغة بانتظار أن يأتي جيل من المسؤولين (مسيري الأندية) يجسر الهوة بين ما هو حقيقي على الأرض والطموحات والإمكانات المتاحة، ولكن مسيري الأندية لا يأتون كل يوم، بقليل ما يجود الزمان بهم.
إذًا هناك خلل ما في منظومة جل الأندية المغربية، لن يحل إلا بتدخل صارم من الاتحاد المغربي، والضرب بقوة على كل من سولت له نفسه التلاعب بمصالح الكرة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ووضع مواصفات علمية للمسيرين مع المراقبة الصارمة، لأن الوضع لا يطمئن قطعًا.
الكرة المغربية تعاني حلقة مفقودة، يجب أن يجتمع الخبراء والفاهمون ويحاولوا العثور عليها، وإيجاد الحلول الجذرية لها بدل الحلول الآنية التي أثبتت أنها غير ناجعة وغير ناجحة، ولم تستطع الوصول بالأندية إلى ما تصبو إليه جماهيرها. يجب معرفة هذه الحلقة المفقودة، وتشخيص الحالة وبعدها لكل حادث حديث... لأن جسم بعض الأندية المغربية بحاجة إلى تشريح علمي وليس إلى مسكنات.
آخر الكلام: التصدع الكروي في بلادنا أصبح ظاهرًا، فالشروخ تتسع، والتنافر يزداد، والخوف من المستقبل يكبر يومًا بعد يوم. الأصوات بدأت تعلو، فالجماهير كانت خلال السنوات الأخيرة سعيدة بالانفراجات التي شهدتها الكرة المغربية، لكن اليوم تأكد بالواضح والملموس أن يد الاتحاد المغربي لوحدها لن تصفق، وحتى لا تعود الأوضاع إلى عهدها القديم، حيث تستنزف الطاقات لإرضاء طموحات وتوهمات فئات قليلة طامعة في مصالح ضيقة.