أولمبياد باريس | هل ستتكرر الإخفاقات ونواصل التباكي!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-05-22 14:41
سفيان البقالي عداء مغربي مختص في مسافة 3000 متر موانع (annoukhba)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لكل جواد كبوة ولكل فارس غفوة، هذا ما درسونا منذ صغرنا، لتجاوز كل الإخفاقات، ولكن ليس للجواد أن يكبو للنهاية وما من فارس يغفو للأبد، لكن هذه هي الحياة بكل تفاصيلها ما هي إلا مجرد حرب يخوضها الإنسان من أجل تحقيق ذاته، وتبقى جذوة الأمل، بعثًا جديدًا، بأدوات لوجستية جديدة ومعاصرة، أملتها ضرورات مفصلية تعكس الصيغة المثلى والوجه الجديد الملائم للمراحل القادمة.

لكن نحن العرب لا نستيقظ إلا على نقيض الأزمات، أو للتحضير لمناسبة من المناسبات، خلالها نسقط في مطبات عشوائية، مختلفة الألوان والأشكال، فتربع دول على سبورة الميداليات الأولمبية، يعكس قوتها الاقتصادية وسياستها الرياضية ووسائل التنشئة الصحيحة شكلًا ومضمونًا.

نعم والعرب في سبات عميق ويستيقظون قبيل الأولمبياد بأيام، فيتعجلون بالتدريب ويرفعون النسق، ويبنون قصورًا من الأحلام، ويخرجون بالإخفاق تلو الإخفاق، فكيف لنا أن ننتج أبطالاً أولمبيين!

المسؤولون عن الرياضة العربية فاتهم أن البطل الأولمبي بات يُصنع في المصانع الرياضية، من أكاديميات ومراكز طبية، تصقل المواهب منذ الصغر وتبرمج حسب خطط علمية، بإشراف كفاءات مختصة عالية تحدد نوع الغذاء ومواعيد النوم وفترات التدريب، وأدق التفاصيل، فعوامل صناعة البطل تتمثل في حُزمة من البرامج التي تطبَّق بوصفها تغييراً شاملاً، من حيث الانتقاء الباكر لأصحاب المواهب في المدارس، وزيادة عدد ممارسي الألعاب المختلفة، وكذلك صياغة وإنشاء برامج النظام العام للاعب، وليس فقط في التدرب في معسكرات خارجية أو التعاقد مع أفضل المدربين، بل في تأسيس نظام حياة صارم أيضاً من حيث الغذاء المناسب والنوم الكافي والابتعاد عن المسكرات والتدخين، والتدريب الشاق من ستة أعوام إلى ثمانية، وإنشاء الأكاديميات على غرار أسباير في قطر، وبالطبع يحتاج ذلك إلى دعم مالي ولوجستي كبير مع دعم القطاع الخاص.

عند تلك الدول الناجحة أولمبيا فصناعة البطل لديهم لا تختلف عن صناعة السيارات والصواريخ والطائرات، لكل قوتها وسرعتها وقدرتها بالأرقام، والبطل في مصانع الغرب يُصنع بحسبة الرياضيات، موهبة ناشئة، تدريب، متخصص، جهاز فني وطبي وإداري محترف، ملاعب وتجهيزات عصرية، عقل سليم، بطل أولمبي، فعلينا أن نتساءل عن عوامل صناعة البطل الأولمبي، وهل البطل يُصنع أم يولد؟

يصف توماس أديسون العبقرية بأنها واحدة في المئة إلهاماً و99 في المئة حفزاً، وفي الآونة الأخيرة أصبح بالإمكان صناعة البطل، ولكن مع توافر إرادة حقيقية تدعم هذا التصور، فعندنا نحن العرب لدينا رغبة ولدَّت فشلاً ولكنها ليست إرادة، لأننا لا نساير العالم في صناعة الأبطال بالأساليب العالمية، ما زالنا نعتبر الرياضة هواية للتسلية، نحن نحتاج إلى ثورة في العقول لدخول مرحلة صناعة الأبطال الأولمبيين، اكتشاف الأبطال يتكون من المدارس والرياضة المدرسية؛ ففي الصين يُصنع شغف البطولة في الطفل الصيني؛ إذ يتوفر فيها 3000 مدرسة رياضية، تخضع لإشراف الحكومة الصينية مباشرة، بالإضافة لأكثر من 20 برنامجًا تدريبيًا متخصصًا، وأخرى من البرامج الفرعية. ورغم ما تتعرض له هذه المدارس من انتقادات بسبب القسوة الشديدة التي يتدرب بها الأطفال، إلا أنها تعد نظامًا فريدًا في العالم حاليًا.

ويلتحق الأطفال الذين يمتلكون المهارة الكافية في عدد بدءًا من عمر السادسة، وتقوم المدارس بتوفير السكن الداخلي والدعم اللازم، وذلك بالتعاون مع الحكومة الصينية، وتشمل المدارس مجموعة متنوعة من الألعاب الأولمبية المختلفة، وتعتمد البرامج التدريبية على الخطط المستقبلية طويلة الأمد يبتعد فيها الطفل عن أهله لفترات طويلة؛ على أمل أن يعود ذلك الطفل مرة أخرى ويجلب لأسرته المال، والشرف كونه بطلًا أولمبيًا، وينقسم الأطفال إلى مجموعات مبكرًا حسب موهبتهم: رياضي دولي «international master sportsman»، ورياضي وطني «national master sportsman».

الصين مثلًا والتي تبسط نفوذها على المشهد الرياضي مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية بفرض نفسها كقطب ثانٍ عالميًا والأوحد آسيويًا ما كان لها هذا الحضور لولا الإستراتيجية الوطنية الكبرى والتي تبدأ بالميزانيات ذات الأرقام الفلكية، ولا تنتهي عند دمج الرياضة مع التعليم وهي الشراكة التي باتت أنموذجًا عالميًا في صناعة الرياضي البطل، الأمر كذلك في بريطانيا التي حصدت الميداليات في آخر أولمبياد، اعتبرت إنجازًا كبيرًا للدولة، وهي التي كشفت في بيان حكومي لها أن اللاعبين الذين أحرزوا أكثر من نصف الميداليات في الأولمبياد انحدروا من مدارس خاصة تهتم بالرياضة التنافسية لتلاميذها.

يا عالم علينا ألا نستصغر أنفسنا نحن العرب فلدينا المواهب، لكن ما ينقصنا هو التخطيط والعقول المتخصصة في مجال الرياضة الأولمبية وأهل الاختصاص، وليس الكلمات الفضفاضة التي مللناها من مسؤولين رياضيين يبيعون الوهم لأجل الحفاظ على كراسيهم مدى الحياة، وصراعات من أجل الوصول إلى الكرسي فقط.

الألعاب الأولمبية حدث غير عادي، تعتبرها الدول محكًا حقيقيًا لاختبارات قدراتها، ليست الفنية فقط، وإنما لحضارتها وتواصلها الإنساني الاجتماعي الثقافي، وتعد الثقافة الأولمبية، هي الأساس في بناء وتطور الرياضة، بمعنى أنها تكتب شهادة النجاح لبلدك أمام الحضور، في أكبر وأهم المحافل والاستحقاقات التي تجمع الرياضيين من مختلف دول العالم.

يجب أن ترتبط مواثيق الحركة الأولمبية لدينا بالوعي، خاصة في تكوين الرياضي من البيت والأسرة، بهدف صناعة البطل، وعليها أن تشبعه بالتشجيع المبكر، قبل أن تحتضنه الأندية والاتحادات للبناء الفني، وإضافة إلى ذلك، أنه يوجد انعدام للرابط بين الفكر الأولمبي والمناهج، للوصول للمجتمع الثقافي الذي لا يتعاطى مع مثل هذا الرابط بالشكل المطلوب، أو لا يتعاطى معه أساسًا، كما يجب مراعاة تأثير الأسرة في التشجيع المتنامي.

آخر الكلام

إن الناتج المتوقع من جراء الاهتمام بالرياضة المدرسية يعد ذخيرة للمستقبل، وعندما نتفق على النموذج الأمثل للمستقبل المنشود سنستطيع بكل يسر أن نضع خطط الحاضر الراهن، حيث إن المستقبل يصنع الحاضر.

ومن أجل ذلك يجب تحديد معالم إستراتيجية واضحة للرياضة المدرسية، ففي كل الخطط والاستراتيجيات التي عرفتها الرياضة العربية عبر تاريخها، كانت الرياضة المدرسية ركيزة أساسية وفي مقدمة أولوياتها.

ومع كل وقفة لتصحيح مسار الرياضة العربية، بعد أي انتكاسة كانت صيحات الاستغاثة تعلو لانتشال الرياضة المدرسية من واقعها الحالي، باعتبارها الداء والدواء معًا، لكن الجهود كانت تذهب سدى في كل مرة، ونعود لنبدأ من حيث انتهينا.

أتمنى أن تقوم الاتحادات الرياضية المدرسية بتطور منظومة الرياضة المدرسية والنشاط الرياضي بمدارس التعليم العام والخاص لينعكس ذلك على الرياضة العربية بشكل عام.

شارك: