أحمر السعادة بطل استثنائي فوق العادة..!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-12-21 19:18
فرحة لاعبي منتخب اليمن تحت 17 عامًا ببلوغ نهائي بطولة اتحاد غرب آسيا (X/waffootball)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تتفتح زهور المواهب اليمنية الصغيرة في الحارات دون وسائل مساعدة، يتخذون من الجدار مدربًا ومعلمًا يتقنون من خلاله مبدأ (خذ وهات)، وهو المبدأ الأهم في عالم كرة القدم، ثم فجأة يغادرون الحارات دون إعداد مسبق، بوصفهم منتخب اليمن للناشئين، فيكتشفون على الجهة الأخرى أهمية الانفتاح على العالم الخارجي.

ولأنّ الهوس بكرة القدم هو جزء من الحياة اليومية لعشرات الملايين من اليمنيين، فإن التلفزة اليمنية الرسمية تخلت عن أخبار الحرب والدمار وأزمات الاقتصاد الحادة، وركضت بمساحة برامجها خلف هؤلاء الصغار في بطولة غرب آسيا، بل إنها قدمتهم على نحوٍ شاعريّ جميلٍ ينسجم مع النتائج الإعجازية التي سجلها منتخبٌ تم تجميعه بين يوم وليلة، فأمسى حديث نصف قارة آسيا على الأقل.

لقد اندهش مَن هم غير يمنيين من أسلوب المنتخب اليمني في البطولة، اندهشوا لأن هذا التراث الفني الذي خلّفه هذا المنتخب خير نموذج لما يُعرَف بأسلوب السهل الممتنع في عالم كرة القدم.

يتميز هذا المنتخب بديناميكية غير معهودة، مشبّعة بحيوية وبحُرّية الحركة والدقة التقنية والرؤية الفنية، وهذا ليس بغريب على كرة يمنية ينمو فيها فن التموضع بشكل جيد، وتُغذّيه دوافع الانسياب الحقيقي، الذي يؤمن بالخُلق، وباللعب الاحتفالي المصحوب بغزارة في فنون مراقصة الشباك.

عندما عقد منتخب اليمن للناشئين عقدًا ملزمًا مع الانتصارات المتتالية، وخاصم بها الخسارة الطارئة أو التكتيكية، فإنه بهذا الزخم من النتائج، أكد بأنّ المواهب التي يزخر بها، أصبحت مثل موج هادر لا يأمن منافسوه ميقات طوفانه.

لا يستطيع اتحاد الكرة اليمني أن ينسب مردود منتخب اليمن للناشئين إلى برامجه وخططه وإستراتيجياته، و لا يستطيع أن يحتمي بقبعات الصغار من أحجار النقد التي تطال عشوائيته الإدارية وفشله الدائم في إقامة مسابقات للفئات السنية، لذا فإن الحارات اليمنية تتلقف هؤلاء الصغار وترشدهم وتمنحهم حرية التعبير عن مكنونات مواهبهم الخارقة.

قصة منتخب اليمن للناشئين غريبة لا يصدقها عقل؛ لكنها واقعية، عايش اليمنيون أحداثها أولًا بأول، في حين اختار اتحاد الكرة اليمني المدرب الشاب سامر فضل لمهمة قيادة المنتخب في بطولة غرب آسيا العاشرة على بُعد أقل من شهر، كان على المدرب ومساعده الدولي السابق علي النونو الانتقال إلى معظم المحافظات لانتقاء أفضل اللاعبين.

بدا أنّ هذا المنتخب نصفه من صُنع المدرب السابق قيس محمد صالح، الفائز ببطولة غرب آسيا قبل عامين في السعودية، ومع بعض التوليف الجيد من المدرب سامر فضل توصّل إلى النسخة المتماسكة التي يمكن لعناصرها اللعب بعقلية الفوز لا سواه.

لم يعطِ منتخب اليمن منافسيه فرصة لالتقاط الأنفاس، ومن أول مباراة كشّر "نسور سبأ" عن مخالبهم الحادة وأظافرهم الفتاكة، بعدها أدمن الأحمر الصغير مباغتة كل الخصوم، ورمي قشور الموز تحت أقدامهم.

تألق صغار اليمن حتى اللمعان، وأثبتوا اختلافهم عن الآخرين من حيث الموهبة الفطرية وسلاسة الفكر وتنوع الفنيات، وهم بهذا أكدوا أيضًا أن بينهم وبين لاعبي منتخبات غرب آسيا فوارق شاسعة في التطلعات، وفي التدبير، وفي الإمكانات البشرية، والقدرات الإبداعية، ودرجة الانسجام، وطبيعة الوئام الذي يغلّف منتخب اليمن.

لقد سألني الكثير من المتابعين لبطولة غرب آسيا عن سر قوة منتخب اليمن، ولم أكن أحتاج للمزيد من التفكير في سبر أغوار هذا المنتخب، لأنّ الحقيقة أنّ مصدر قوته لا ينبع من العقلية الفنية التي تدير المنتخب بدقة الساعات السويسرية؛ لكنها تكمن أيضًا في سلاسة اللعب وفاعليته وقدرة الصغار الفائقة على ترويض منافسيهم.

عندما يحرك الكابتن سامر فضل آليات فريقه بالتوزيع العاقل للاعبين على أكثر المواقع والردهات داخل الملعب، فإن الأساس في هذا البناء قائم كليًّا على الفاعلية والسلاسة في الأداء وحرية التدفق الحركي لجميع اللاعبين.

من حُسن حظ الجهاز الفني للمنتخب اليمني أنه يستند في مفكرته إلى إمكانات بشرية كبيرة ومتنوعة المراكز، وكل ما فعله المدرب أنه أوصل تلك المواهب بخيط رفيع من الالتزام والحماس والانسجام وروح الفريق الواحد.

أكون جاحدًا لو قلت إنّ المدرب سامر فضل ومساعده علي النونو قد وجدا أمامهما بيضة مقشرة، لأنّ الحقيقة أنهما خاضا رحلات سفر على مساحة جغرافية تتعدى 500 ألف كيلومتر مربع، رحلة طويلة شاقة ومضنية لبلوغ الهدف والغاية، ثم انتهى التنقيب عن مواهب الحارات بضبط بوصلة أفضل تشكيلة، مع تغذيتها بنسق فني متكامل وقوام تكتيكي موزون.

صحيح أنّ المدرب سامر فضل لم يهرب بمفكرته التكتيكية إلى صيغة جديدة؛ لكنه على أي حال اهتم كثيرًا بنظام اللعب أو الأسلوب أو النمط، وهذا منح عامل الحافز سرعة التفاعل من خلال من الديناميكية الفاعلة في الأداء.

لم ينكث الأحمر اليمني الصغير بوعده، وصنع في ظفار الحدث الأهم في حياة اليمنيين الذين يعانون من أزمة هوس وجنون مع كرة القدم، فكان لا بد أن يتحول منتخب السعادة إلى منتخب استثنائي، وإلى بطل لغرب آسيا فوق العادة.

من ضبط الجمهور اليمني متلبّسًا بالفرحة العارمة في ظل معاناة معيشية من الضنك ألقت به إلى غياهب ما تحت خط الفقر، سيدرك كم هي كرة القدم مهمة في إصلاح ذات البين، وكيف أنّ الأحمر الصغير بات المشروع الوحيد الذي يلتفّ ويجتمع حوله اليمنيون، في ظل غياب حكمتهم الشهيرة التي توارت في زمن الحرب التي ترفض أن تضع أوزارها بعد ثماني سنوات عجاف، أكلت ما تبقى لليمن السعيد من أخضر ويابس.

شارك: