هل تسهم الرّياضة في التخلص من العدوانيّة؟
تعدّ العدوانيّة من أهمّ الظواهر السلوكية التي تنتشر في مختلف مجتمعات العصر الحديث، وبناءً على ذلك تتوجه إليها الدراسات والأبحاث؛ نظرًا لارتفاع نسبة العدوانيّة لدى مختلف الفئات العمرية، كما أنّ العدوانيّة أخذت تؤثر سلبًا في نسق التغيرات الاجتماعية، وكذلك في الحالة النفسية للشخص.
ولأنّ قضيّة العدوانيّة في المجتمعات من أكثر الظواهر بعثًا للأرق، فقد أبدى الكثير من العلماء والباحثين في ميادين علوم النفس، والتربية، والاجتماع، والأنثروبولوجيا اهتمامًا بتحليل السلوك العدواني، والبحث عن آليات التخلص منه أو التخفيف من حدّته على أقلّ تقدير.
ورغم هذا الاهتمام، فإن الآراء والأقوال لا تزال متباينة حول الأسباب وطرق معالجة السلوك العدواني، فالبعض يرى العدوانية سلوكًا فطريًّا، بينما يرى البعض الآخر فيه سلوكًا متعلَمًا ومُكتسَبًا من تفاعل الإنسان مع البيئة، ومعايشة ظروفها المختلفة.
وإذا أردنا تعريف العدوانيّة والسلوك العدواني فسنجد مصطلحات متعددة، فلا وجود لتعريف واحدٌ متفق عليه بين الباحثين، وهو طبيعي في ظلّ الأسباب المتداخلة والمتشابكة، بيد أن الغالبية منهم قد أجمعوا علي أن هذا النوع من السلوك يهدف إلى إلحاق الضرر بالذات أو بالآخرين أو بالأشياء، وهنا يمكننا تعريف العدوانيّة بأنّها: "السلوك الموجه ضد النفس، والذي يُراد به إيذاء الذات أو الآخرين أو الممتلكات بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فالسلوك العدوانيّ هو كل ما ينتج عنه إيذاء لشخص آخر أو إتلافه لشيء ما، ويفرّق بين الأفعال المتعمدة أو العكس، والتي تؤدي إلى إيذاء الآخرين".
وذهب علماء الاجتماع -بغية التخلّص من العدوانيّة- إلى أنّ الرياضة إحدى أهمّ الوسائل التي تعالج المجتمع من آفة العدوانيّة على المستويين الفردي والجماعي.
وقد أشار الأستاذ أمين الخولي في كتابه "الرياضة والمجتمع" إلى أنه رغم ادّعاء البعض أن الرياضة تتضمن بعض العناصر العدوانية أو أن الناس قد يختبرون العدوانية من خلال الرياضة؛ والتي قد تكون مضمرة أو معلنة؛ بل إنها في بعض الأحيان تتنكر في شكل رقيق يصعب اكتشافه؛ لكن ما زال الكثيرون يؤمنون بأن أحد عوامل الجذب في الرياضة؛ أنها تتيح وسطًا اجتماعيًّا مقبولًا من الفرد لاستعراض العدوانية أو للتنفيس عنها.
وقد تكون هناك مساحة ما للعدوانية في الرياضة؛ لكنها محكومة بقواعد اللعب وجزاءاته؛ ومما لا شك فيه أن الرياضة تعد أكثر الأنشطة ملاءمةً للتخلص من العدوانية والتنفيس عنها؛ فالأداءات الحركية بمختلف أنواعها تسمح بالتخلص من قدر كبير من العدوانية، حتى إننا كثيرًا ما نسمع التربويين يشبّهون ضرب الكرة بالمضرب أو بالعصى بآليّة تسمح بتخريج قدر كبير من العدوانية والتنفيس عنها.
ويذُكر أن بعض أقسام الشرطة بالولايات المتحدة قد نظمت مباريات في كرة السلة و "البيس بول" الكرة الناعمة، وغيرها من الألعاب الرياضية بالتنافس مع آخرين بالمدن من أجل تأسيس علاقات اجتماعية طيبة؛ ولتسهيل التواصل؛ ولقطع الطريق على أعمال العنف؛ وللتقريب فيما بين المذنبين الذين يقضون فترة عقوبتهم وبين باقي أفراد المجتمع.
وهذه الميزة للرياضة يمكن تفسيرها نظريًّا في ضوء أهم الأهداف والخبرات المشتركة التي تعمل على التوحيد بين الأفراد في جماعات متعايشة سلميًّا.
وكثيرًا ما وُصِفت الرياضة بأنها متنفس آمن لدوافع العدوانية الناتجة عن عوامل كالإحباط واليأس والفشل التي يمرّ بها الإنسان في حياته اليومية ولا يستطيع تجنبها؛ ولأن فرص النجاح في الرياضة لا تتمثل فقط في إحراز النقاط والأهداف إنما مجرد أداء تُستغّل بمهارة جيدًا لتغدو نجاحًا؛ فإن الرياضة علاج اجتماعي ناجح ضد عوامل الفشل والإحباط وهي متنفس مقبول اجتماعيًّا للتفريغ عن دوافع العدوانية ومشاعر الإحباط.