هل تحقق الرياضة التّوازن الاجتماعي بترشيد مفهوم المنافسة؟
مما لا شكّ فيه أنّ الرياضة وقيمها تلعبُ أدوارًا نبيلة في تحقيق التوازن الاجتماعي عن طريق تخفيف حدّة الصراع والتنافس الاجتماعي، وذلك من حيث أنها مكون ثقافي اجتماعي فقد قدمت للإنسانية مجالًا شريفًا وإطارًا ساميًا للتّنافس والصّراع.
فالرياضة ترشّد الصراعات الإنسانيّة في إطار شريف بعيد عن حالة الاستعداء، فهي تفرغ الطاقات الغاضبة والشحنات السلبية للتنافس في إطار إيجابي يعزز التواصل الحضاري بدلًا عن الصراع البشري
ولقد نجحت الرّياضة في هذا الدور نجاحًا كبيرًا حتى صار مفهومًا لصيقًا بها، وهو مفهوم "الروح الرياضية" إحدى القيم التي يصبو إليها الناس، أو على الأقل يسعون للتعارف عليها بغض النظر عن اعتبارات عديدة.
والرياضة قد عملت سابقًا وتستمر في العمل حاضرًا ومستقبلًا على وضع الضوابط الاجتماعية الخاصة بها والتي يسهل نقلها لواقع السلوك الإنساني وعبر عمليات التنافس، من خلال تقديم أنماط تنافسية يحدوها القبول من القيم الاجتماعية كالشرف والنبل والتضحية والفداء وإنكار الذات والتعاون.
ويمكن دراسة التفاعل الاجتماعي من خلال وجهتي نظر:
الأولى: سلوكية مبنية على نظريات التعلم، حيث يبدأ التفاعل بين الأفراد نتيجة التدعيم أو الإثابة التي يتلقاها المشتركون في التفاعل، فهو مشروط بإشباع حاجات الأفراد.
الثانية: تعتبر التفاعل نسقًا اجتماعيًّا أساسه استجابة الأفراد المشتركين في التفاعل، وهو في هذه الحالة بمنزلة منظومة أو دائرة منتظمة ومتكاملة في داخلها، إذا اختل أحد أجزائها؛ تعرّضت بقية الأجزاء للخلل بالتالي.
وتعتمد بعض المدارس إلى تفسير التفاعل الاجتماعي على أنه يُعبّر عن جوانب ذات الصفة الحركية من جوانب دراسة الجماعة، وهو ما يُطلَق عليه التعاهد الاجتماعي المتبادل وهو مفهوم يعبّر عن أن هناك تعاهدًا أو اتفاقًا ضمنيًّا أو معلنًا بين أطراف التفاعل، مفاده أن الطرف الذي يعطي يتوقع -بالتالي- نوعًا من الأخذ أو المقابل.
ويفصّل الدكتور أمين أنور الخولي في كتابه "الرياضة والمجتمع" القول في أنّ موضوع العدوانية يعدّ من الموضوعات الأساسية في علم نفس الرياضة، والذي تدور الأبحاث والدراسات فيه من خلال سؤال جدلي مؤداه: هل تشكل الأنشطة الرياضية مجالًا ومتنفسًا عن مشاعر العدوانية؟
وهو يرى أن درجة حدة المنافسة تتوقف على ثلاثة عوامل هي: طبيعة المجتمع من حيث الميل للمنافسة والحوافز المقدرة للمنافسة واستغلال المنافسة لرفع مستوى الأداء.
ولم تحسم الأبحاث الرد على هذا السؤال بعد، فالبعض تشير نتائجه إلى أن الرياضة تقلل العدوانية وتمتصها، والبعض الآخر يرى أن الرياضة تزيد العدوانية وتؤججها؛ لكن يرى بعض المراقبين أن ذلك يرجع إلى عدم الالتزام بدقة في بناء المقاييس أو لنقص في المنهجية المتبعة، كما أن كلمة الرياضة نفسها كلمة شديدة المرونة وتتسع لعدد هائل من الأنشطة يُطلَق عليها ببساطة شديدة كلمة "رياضة"!
يُستخدَم التعبير "منافسة" استخدامًا موسعًا وعريضًا في الأوساط الرياضية، فيستخدمه المدربون والإداريون والمشجعون، فضلًا عن الرياضيين.
ولقد دأب الباحثون على تعريف المنافسة بشكل عام من خلال وصف عملياتها ويقصد المنافسة عندما يكافح اثنان أو أكثر في سبيل شيء ما أو لتحقيق هدف.
وحتى إذا الفرد حقق غرضه بالتحديد؛ فإنه يحرم المنافسين منه، إلّا أنه يحرز بعض الأهداف إذا كافح وبذل الجهد، وهكذا تحتدم المنافسة كلما اقتربت المباراة من نهايتها.
وهناك رأي آخر مفاده أنه حتى الخاسر ينال بعض أهدافه والتي منها الاستمتاع بروح المنافسة في حد ذاتها، بالإضافة إلى متعة بذل الجهد البدني.
وختامًا، فمع كل النقد المُوجّه إلى المنافسة، فإنها ما زالت تعتبر الأساس المتين الذي تقوم عليه الرياضة، فهي تُستخدَم لرفع المستوى الصحي ولإضفاء روح معنوية عالية للأفراد من أجل التباهي والتفاخر والاعتزاز القومي.