نادي الترجي التونسي في قصيدة لمحمد بن صابر
أن تحبّ نادياً رياضياً مُحدَّداً فهذا أمرٌ طبيعي واعتيادي، لكنك إن كنت شاعراً يملك زمام الكلم وناصية الشعر فهذا يعني أنّك ستفكر بنظم أبيات شعرية تخلّد فيها بطولات النادي الرياضي الذي تشجعه وتتابعه وترجو فوزه وانتصاره في كل المباريات التي يخوضها، وفي هذا الحال فإن الحظّ كلّ الحظّ لذاك النادي المحبوب الذي وجد شاعراً بديعاً في صفوف محبيه ومشجعيه، ألا توافقني الرأي؟!
لا بدّ أنّك سمعت بنادٍ رياضي تونسيّ يُلقّب بــ"غول أفريقيا"، ويقال عنه نادي الدّم والذهب، والمكشخة، هل عرفته؟ ويقال إنّه شيخ الأندية التّونسية... نعم، إنه نادي الترجي التونسي لكرة القدم الذي تأسس في عام 1919، ويُعرف بالفرنسية: Espérance sportive de Tunis، ويقال عنه اختصاراً: (EST).
ذاع صيت بطولات نادي الترجي المحترف لكرة القدم على مستوى قارة أفريقيا كلّها، واشتهر بين الأوساط الرياضية العربية على نطاق واسع، وحقق انتصارات كثيرة ومميزة في المباريات التي لعبها، وحصد نتائج باهرة، وقدم أعضاء الفريق أداءً فريداً، فنال النادي بذلك شهرة واسعة، وكتب فيه الشاعر محمد بن صابر قصيدة جميلة؛ يقول في مطلعها:
أرضُ البطولاتِ في البُلدانِ من قِدَم *** وكم بها مُعجَبٌ في سائرِ الأُمَمِ
في كلّ فنّ رُقيٌّ نَحوَ عِزّتها *** من عَزمِ أبنائِها الوقّاد في الهِمم
إنّ (التّرجي) في كلّ القلوب رَجَا *** فيها محبّته من أَنبل القِيم
قلبُ (المدينة) نبضا لا جوانبُها *** والفضلُ للقلبِ لا مجموعة اللّممِ
يبدأ الشاعر استهلال قصيدته بالحديث عن أرض تونس الخضراء التي كانت دائماً عبر التاريخ والعصور أرض انتصارات وبطولات سُجّلت في ديوان الأمّة العربية، ونالت الاستحقاق والإعجاب من الأُممِ الأُخرى، هذه الأمّة التي تسعى نحو الرّقيّ في كلِّ مجال سواء في الفنون أو الآداب أو العلوم أو الرياضات، وتدفعها وتؤيّد سعيها هِممُ شبابها وأبنائها الطيّبين، ثمّ ينتقل الشاعر في السطر الثالث للدخول مباشرة في قلب موضوع قصيدته والحديث عن نادي (الترجي) التونسي لكرة القدم، النادي الذي كسب قلوب المتابعين بنُبلِ أدائِه وعظيم عطائِه الرياضي، فهو كالقلب للمدينة، يضخّ الحياة في أرجائها ويُحيِي ساحاتها الرياضية ويتوّجها بالنصر والظّفر.
يُكمل الشاعر وصفه لنادي (الترجي) الرياضي بأنه كالتاج المُزيّن بالجواهر الفريدة والأحجار الكريمة؛ إذ يقول:
جمعيّة صمدت عبر العصور لها *** مراتب لم تغادر مستوى القممِ
كانت ولم تَزَلِ التَّاجَ المُرصَّعَ من *** نفيسِ دُرٍّ سبي من حُسنِ منتَظَم
ترى لها أجمل الألوان من ذهب *** و( أحمر) هو رمز للفِدَى بِدَمِ
ونَلحظُ ها هنا أنّ الشاعر يستخدم الألوان التي اختارها الفريق للباسه؛ وهي الأحمر والأصفر، ويوظفها في الشعر لخدمة معانيه في مدح فريق الترجي؛ فالأصفر لون الذهب أجمل الألوان وأبهاها، والأحمر رمز لدماء الشّهداء الذين قدّمتهم تونس فداء في سبيل حرية الأرض وبناء الوطن.
والشاعر بذلك يعطي الفريق صفة وطنية، ويُلبسه لباس العِزِّ، ويحمّله راية الانتماء التي ينبغي أن يرفعها عالياً في كلّ المحافل الرياضية وعلى الدّوام. ويؤكد ذلك في الأبيات الآتية:
ثلاثة بعد عشر من بطولاتها *** يا فخر تونس نصراً غير منهزِمِ
بها الرياضة نالت أوجَ بهجتها *** فيا لها كرة مسحورة القدم
فلننظر إلى قوله (يا فخر تونس)؛ إذ يجعل الشاعر فريق (الترجي) فخراً وطنياً ورمزاً فعلياً لتونس الأبيّة، ثمّ ينتقل للحديث عن أداء اللاعبين في الساحات الخضراء، فيصف الكرة إذ تتجاذبها أقدامُ اللاعبين بالمسحورة، ويتابع تصوير الأحداث والمجريات في أثناء المباراة، فيقول:
ويا لمرمى به من بأسه أسد *** فكلُّ رَميةِ خصمٍ فهي للعَدَمِ
له دفاعٌ حديدٌ والهجومُ به *** يحقّقُ النّصرَ أَوّاباً بمُغتَنَمِ
يلتقط الشاعر دقائق تحرّكات اللاعبين فيصف حارس النادي بالأسد الذي يُبدّد رَمياتِ الخصم ويحوّلها إلى هباء منثور، أمّا خط الدّفاع فهم أشبه بقضبان حديدية لا تسمح للخصم بتمرير أي هدفٍ من خلالها، وأما خط الهجوم فهم فوارس لا يرجعون إلى مواقعهم إلّا بنصر محقَّقٍ وكأنّهم محاربون جابوا أرض الخصم وحرثوها وآبوا بالنصر والغنائم.
ثم يختم الشاعر قصيدته متوّجاً إياها بالفرح نصراً والابتهاج طرباً، ذاكراً فضل أحد مدرّبي النادي (سليم شيبوب) الذي تولّى رئاسة النادي بين عامي (1989 و2004)؛ فيقول:
يا روحها يا سليم يا سلامتها *** عاش (الترجي) عزيزاً عالي الشّيمِ
جاء الأحبّاء كالأمواجِ في طَرَب *** وكلّهم بانتصار رافعُ العلمِ