مباراة دوليّة بين المسلمين والرّوم في كمال الأجسام والقوّة
يسجّلُ التّاريخُ أنّ القيصر الروماني "ثيودوسيوس" أصدر قرارًا بإيقاف ممارسة ألعاب القوى كلّها في الإمبراطوريّة الرّومانيّة عام 393م، وسبب قراره الغريب أنه كان يرافق هذه الألعاب شعائر وعادات وثنية لا تتّفق مع أصول الدّيانة المسيحية فكان أوّل باعثٍ على هذا القرار هو الخوف على الهويّة المسيحيّة للإمبراطوريّة، وأمّا السبب الثّاني فهو ما تمثله هذه الألعاب من تمجيدٍ للقوة وأبطالها في وعي الشعب يفوق تمجيد الرسل القديسين، والسبب الثّالث لإصدار القرار أنها كانت وسيلة من وسائل التدريب العسكري الباعث للحروب والمسبب للخراب حسب اعتقاد القيصر وحاشيته.
في المقابل فقد شهدت العصور الإسلاميّة الأولى، لا سيما عصر بني أمية، تفوقًا كبيرًا في ترسيخ رياضات القوى البدنيّة والذهنيّة بوصفها ألعابًا لها نظامها وقوانينها، وكان لما يعيشه المسلمون من رياضاتٍ في عموم الدولة أثر في إعادة إحياء هذه الرياضات بقوّة عند الرومان كونها أحد ميادين المنافسة بين الدولتين.
وقد شهدت العلاقة بين الدّولتين الإسلاميّة والبيزنطيّة مباريات رياضيّة عديدة في ألعاب القوى الفرديّة والجماعيّة، وكان الفضل في عقد تلك المباريات الدّوليّة للمسلمين الذين كانوا يبادرون بمدّ الصّلات وإرسال الرّسائل لعقد هذه المباريات الدّوليّة.
ومن هذه المباريات الدّوليّة الوديّة ما ينقله لنا أبو العبّاس المبرّد في موسوعته الفذّة "الكامل في اللّغة والأدب" عن مباراة دوليّة في كمال الأجسام والقوّة البدنيّة بين الدولة الإسلاميّة ودولة الروم البيزنطيين وقعت في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ فيقول: "وحدثت أنّ ملك الروم في ذلك الأوان وجّه إلى معاوية: "إنّ الملوك قبلك كانت تراسل الملوك منّا، ويجهد بعضهم في أن يُغرب "يبعده وينحيه" على بعض، أفتأذن في ذلك؟" فأذن له، فوجه إليه برجلين: أحدهما طويل جسيم، والآخر أيِّد "الرجل القوي".
فقال معاوية لعمرو: أما الطّويل فقد أصبنا كُفأه ــ وهو قيس بن سعد بن عبادة، وأما الآخر الأيد فقد احتجنا إلى رأيك فيه، فقال: ها هنا رجلان، كلاهما إليك بغيض: محمد بن الحنفية وعبد الله بن الزبير، فقال معاوية: من أقرب إلينا على حال؟ فلما دخل الرّجلان وجّه إلى قيس بن عبادة مُعْلمِه، فدخل قيس، فلما مثل بين يدي معاوية نزع سراويله فرمي بها إلى العلج، فلبسها فنالت ثندوته "الثندوة للرجل بمنزلة الثدي للمرأة، وهو ما اسوّد حول الحلمة" فأطرق مغلوبًا، فحدثت أن قيسًا تلقى اللوم في ذلك، فقيل له: لم تبذّلت هذا التّبذّل بحضرة معاوية، هلاّ وجّهت إلى غيرها! فقال:
أردت لكيما يعلم الناس أنها
سراويل قيس والوفود شهودُ
وألا يقولوا: غاب قيسٌ وهذه
سراويل عاديّ نمته ثمودُ
وإني من القوم اليمانيين سيد
وما الناس إلا سيد ومسودُ
بزَّ جميع الخلق أصلي ومنصبي
وحسمٌ به أعلو الرّجال مديدُ