عيد الفطر.. يوم الجائزة والتّتويج في نهاية السّباق
ساعاتٌ معدوداتٌ وينتهي المضمارُ الرمضانيّ، ونصل فيه إلى نهاية السباق؛ هذا السباق الذي تسابق فيه النّاسُ كلٌّ على شاكلته وكلٌّ كانت له وجهته، هذا السباق في مضمارٍ زمانيّ لا مكانيّ مدته شهرٌ كامل، قال فيه الحسن البصريّ رحمه الله تعالى: "إنّ الله تبارك وتعالى جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قومٌ ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من الضّاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لشغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته"
وككلّ سباقٍ عندما يصل المتسابقون خطّ النّهاية ينالون جوائزهم، ولهذا كان اسم عيد الفطر في السماء "يوم الجائزة" أي هو يوم التتويج للفائزين الذين سبقوا في هذا المضمار الفريد.
عن سعيد بن أوس الأنصاريّ عن أبيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "إذا كانَ يومُ عيدِ الفِطرِ وقفتِ الملائكةُ على أبوابِ الطُّرُقِ، فنادَوا: اغدوا يا مَعشرَ المسلِمينَ إلى ربٍّ كريمٍ، يَمُنُّ بالخيرِ، ثمَّ يُثيبُ عليهِ الجزيلَ، لقد أُمِرتُم بقيامِ اللَّيلِ فقُمتُم، وأُمِرتُم بِصيامِ النَّهارِ فصُمتُم، وأطَعتُم ربَّكم، فاقبِضُوا جَوائزَكُم، فإذا صلَّوا نادى منادٍ: ألا إنَّ ربَّكم قد غَفرَ لكم، فارجِعوا راشدينَ إلى رحالِكم، فهوَ يومُ الجائزةِ، ويُسمَّى ذلكَ اليومُ في السَّماءِ يومَ الجائزةِ".
إنّ يوم عيد الفطر هو يوم تتويجٍ للفائزين في السباق، لكنه سباقٌ من نوع مختلف، تسابق فيه المتسابقون في أبواب الخيرات وفعل الطاعات وخدمة الخلق والتقرب إلى الله تعالى، وهذه يجب أن تكون أخلاق المتسابقين في كلّ الرياضات، فالسباق الرمضانيّ يربّي في الإنسان روحًا سامية وأخلاقًا راقية يتدرب عليها من يمارسون السباقات البدنيّة، فاللياقة الروحيّة لا تقلّ أهميّة عن اللياقة البدنيّة.
وكما يفرح الفائزون في نهاية السباق بالهتافات والأهازيج فإنّ المتسابقين في المضمار الرمضانيّ أيضًا يعبّرون عن فرحتهم بالفوز برفع أصواتهم بالتكبير تعبيرًا عن فرحهم بفضل الله ورحمته وتوفيقه لهم للفوز في هذا السباق.
وهذا التكبير يكون جماعيًّا وفرديًّا مع إعلان انتهاء السباق الرمضانيّ في المنازل والطرقات والأسواق والمساجد، وما هذا التكبير إلّا مظهرٌ من مظاهر إظهار الفرح بالفوز والتتويج في مشهد احتفاليّ بهيج بامتياز.
وقد بيّن الإمام ابن قدامة في المغني الدليل على إظهار الفرح بالتتويج من كتاب الله تعالى فيقول في "المغني": "ويظهرون التّكبير في ليالي العيدين وهو في الفطر آكد، لقول الله تعالى: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"، وجملتُه أنّه يستحبّ للنّاس إظهار التّكبير في ليلتي العيد في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم مسافرين أو مقيمين، لظاهر الآية المذكورة".
إنّ الفرح بنيل الجائزة من الله تعالى عبادة ومن إحدى أهمّ مقاصد العيد، وقد أمر الله تعالى بذلك في قوله عزّ وجلّ في سورة يونس: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".
ويبيّن معنى الفرح بالتتويج صاحب الظّلال إذ يقول: "فبهذا الفضل الذي آتاه اللّه عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان؛ فبذلك وحده فليفرحوا. فهذا هو الذي يستحق الفرح، لا المال ولا أعراض هذه الحياة؛ إنّ ذلك هو الفرح العلويّ الذي يطلق النّفس من عقال المطامع الأرضيّة والأعراض الزّائلة، فيجعل هذه الأعراض خادمةً للحياة لا مخدومة؛ ويجعل الإنسان فوقها وهو يستمتع بها لا عبدًا خاضعًا لها.
والإسلام لا يحقرُ أعراض الحياة الدنيا ليهجرها الناس ويزهدوا فيها، إنّما هو يزنها بوزنها ليستمتع بها الناس وهم أحرار الإرادة طلقاء اليد، مطمحهم أعلى من هذه الأعراض، وآفاقهم أسمى من دنيا الأرض؛ الإيمان عندهم هو النّعمة، وتأدية مقتضيات الإيمان هي الهدف، والدّنيا بعد ذلك مملوكة لهم لا سلطان لها عليهم"، تقبّل الله طاعتكم وكلّ عامٍ وأنتم بألف خير.