المشي إلى المساجد.. رياضة نوعيّة في الكمّ والكيف

تحديثات مباشرة
Off
2023-04-08 12:30
منطقة مخصصة للمشي بمنطقة أرينبيرج شمال فرنسا (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يؤكّد العلماء والباحثون الذين أجروا دراساتٍ مكثّفةً على حياة الرياضيين المحافظين على رياضة المشي والهرولة؛ أن العضلات والركبة تكون بحالة ممتازة كلما واظب الإنسان على المشي أو الهرولة.

وقد ذهبت العديد من الدراسات والأبحاث إلى أن التوقف عن المشي والهرولة، التي هي المشي السريع، بشكل خاصّ يؤدي إلى مشكلات في الرّكبتين. وأن الاستمرار في المشي والمواظبة عليه يقوي الركبة، والمشي المنتظم والمستمر والهرولة الدائمة يساعد في تكيف غضروف الركبة للحركة والحمل عليها، لتغدو الرّكبة معتادة على هذه الحركات ليستطيع الشخص مع المواظبة المشي والهرولة مسافاتٍ طويلةً مدى الحياة دون إلحاق أيّ أضرار بالركبة.

هذا نزرٌ يسيرٌ من فوائد المواظبة على المشي؛ هذه الرياضة التي تؤثّر في وظائف الجسم كلّه ويحتاجها عامة الناس، لا سيما في هذا الوقت الذي يميل الناس فيه إلى الكسل وإيثار راحة البدن الآنيّة وإن كانت النتيجة التعب المستقبليّ الكبير.

ونحن نعاين هذه الفوائد للمواظبة على المشي نستذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم أسّس وأمر أن تكون المواظبة على المشي ثقافة المجتمع كلّه من خلال تشريع المشي إلى المساجد والدّعوة إلى أن يكون الذّهاب إلى المساجد مشيًا والتأكيد على أنّ أعظم الناس أجرًا هو أكثرهم مشيًّا إلى المساجد وأبعدهم منزلًا عن بيت الله تعالى لأنه سيكون أكثر مشيًا من غيره، وهذه الثقافة ليست ترسيخًا لثقافة المشي في المجتمع فحسب بل ثقافة المواظبة على المشي من خلال تكرارها خمس مرات في اليوم والليلة دون توقف في أيّ يوم من الأيام.

وقد ورد في هذا أحاديث عديدة منها:

الحديث الأوّل: ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ".

ففي هذا الحديث سمّى النبيّ صلى الله عليه وسلّم كثرة الخطا والمشي إلى المساجد والمواظبة على ذلك رباطًا وبيّن أنّه من الأعمال التي يرفع الله بها درجة الإنسان في الجنّة ويمحو بها خطاياه، وكلّ هذا نوعٌ من الحضّ والترغيب الشديد بهذه الرّياضة.

الحديث الثّاني: ما أخرجه مسلم في صحيحه أيضًا عنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ"

وهذا الحديث فيه تصريحٌ بأنّ الإنسان كلما زادت مسافة مشيه إلى المسجد كان أجره أعظم، والأجر هو الفائدة الآخروية وهناك أجر دنيوي يتمثل في صحته ولياقته.

الحديث الثّالث: أيضًا أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ؟ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ".

وفي هذا الحديث تصريح واضح أنّ المشي هو الأفضل والمطلوب حتى عند توفر ما يركبه الإنسان من أيّ وسيلة نقل سواء كانت سيارة أم دابة، وهذا من المهم ترسيخه في عصر الإدمان على الركوب بحيث لو احتاج المرء أن يذهب مسافة لا تزيد على بضعة مئات من الأمتار فإنّه يتكاسل أن يذهب إليها إلّا راكبًا.

هكذا رسّخ الإسلام ثقافة المواظبة على المشي، وحولها من حالات فرديّة إلى ثقافة مجتمع بأكمله، ولن تجد تشريعًا أرضيًّا أو سماويًا استطاع فعل ذلك غير الإسلام الذي بنى تشريعاته على طلب الأجر الآخروي المتلازم مع تحقيق الثمار الدنيوية النافعة للفرد والمجتمع بأسره.

شارك: