رياضة رفع الأثقال في صدر الإسلام

تاريخ النشر:
2022-10-06 11:27
-
آخر تعديل:
2022-10-12 12:46
لقطة أرشيفية لربّاع يحاول رفع وزن محدد خلال منافسات دولية (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

رياضة رفعِ الأثقال من أهمّ الرياضات التي تُعظِّم قوّة التّحمّل، وتُمكّنُ عضلات الجسمِ من الاتساع وزيادة قدرتها على تحمُّل الأوزان الثّقيلة، وهي تشمل جميع عضلات الجسم واليدين والرجلين والظهر والجذع والبطن.

يُطلَق على رياضة رفع الأثقال "الرّبع"، ويسمّى رافع الأثقال "ربّاعًا"، وهي تسميةٌ عربيّةٌ صِرفةٌ.

يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: "ربع؛ الرّاء والباء والعين أصولٌ ثلاثة، أحدها جزءٌ من أربعة أشياء، والآخر الإقامة، والثالث الإشالة والرفع"، ويضيف: "والأصلُ الثّالث: ربعتُ الحجر، إذا أشلته؛ ومنه الحديث: "أنّه مرَّ بقوم يربعون حجرًا"، و"يرتبعون"، والحجرُ نفسه ربيعة، والمربعة: العصا التي تُحمَل بها الأحمال حتى تُوضَع على ظهور الدواب".

وقال ابن منظور في لسان العرب: "وربعَ الحجر يربعه ربعًا وارتبعه: شالَه ورفعه، وقيل: حمله، وقيل: الرّبع أنْ يُشَال الحجر باليد؛ يُفعَل ذلك لِتُعرَف به شِدَّة الرجل، قال الأزهري: يُقال ذلك في الحجر خاصةً، والمَربوع والرَّبيعة: الحجر المرفوع، وقِيل: الذي يُشَال، وفي الحديث: مرَّ بقومٍ يربعون حجرًا أو يرتبعون، فقال: عُمَّال الله أقوى من هؤلاء، الرّبع: إشالة الحجر ورفعه لإظهار القوة".

وما زال رافع الأثقال يُسمَّى ربَّاعًا إلى اليوم، وهي تسميةٌ من قديم اللغة وليست حديثةً، وفي ذلك دلالةٌ على قِدَم هذه الرياضة ووجودها عند العرب منذ المئات من السنين حتّى أطلقوا عليها تسميةً خاصّةً تُميِّزها عن غيرها من عمليّات رفع الأحجار وحمل الأمتعة.

أوَّل من أَحْدَثَ رياضةَ رفع الأثقال "الرّبع"

يذهب بعض الباحثين إلى أنّ رياضة رفع الأثقال كانت موجودةً في الجاهليّة، وكان الشباب يمارسونها قبل الإسلام؛ فلمَّا جاء الإسلام أقَرَّها وشرعها.

غير أنّ الإمام السهيلي في كتابه الفريد "الرّوض الأنف"، وكذلك بعض المؤرخين والباحثين يذكرون خلاف ذلك؛ فهم يردّون أصل اللعبة إلى أحد الصّحابة، وهو جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فهو صاحب الاقتراح وهو أوَّل مَن مارسها؛ لتنتشر بعد ذلك بين الصّحابة، وتستمرّ إلى يومنا هذا، وتصبح لعبةً ورياضةً عالميّةً.

وبناءً على كلامهم، فإنّ الصّحابيّ الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- هو صاحب براءة الاختراع في رياضة الرَّبع، وهو أوّل "ربّاعٍ" في العرب والمسلمين.

تشريع رياضة رفع الأثقال

ذكر ابن القيم في كتابه "الفروسيّة": "أن شَيل الأثقال عملٌ مباحٌ كالمصارعة ومسابقة الأقدام (أي الجري)، فقد مَرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قومٍ يربعون حجرًا (أي يرفعون حجرًا) ليعرفوا الأشدّ منهم فلم يُنكِرْ عليهم ذلك".

وقد أخرجَ البزّار والبيهقي في شعب الإيمان عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَجْلَانَ، رَفَعَهُ: "أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَرْبَعُونَ حَجَرًا، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالُوا: هَذَا حَجَرُ الْأَشِدَّاءِ، َقَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشَدِّكُمْ؟ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".

كما أخرج البيهقيّ عن عامر بن سعد أنَّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بناسٍ يتحادّون مِهْرَاسًا؛ فقال: " أَتَحْسَبُونَ الشِّدَّةَ في حَمْلِ الحجارةِ؟ إنما الشِّدَّةُ في أنْ يمتلئَ أحدُكم غَيْظًا، ثم يَغْلِبُه".

وكذلك كان الصّحب الكرام يمارسون رياضة رفع الأثقال ويفيدون منها في ساعات الالتحام والمواجهة، فعلى سبيل المثال، بعد أن ذكر السّهيلي أنّ مِمَّن اشتُهِر بالقوة البدنية عليًّا بن أبى طالب، فإنه في غزوة خَيبَر لمّا ضاع تِرسه، أمسك بابًا كان عند الحصن؛ فتترّس به عن نفسه، وكان سبعة نفر ينوؤون بحمله، وهذا ضربٌ من ضروب رفع الأثقال الذي يَقِلّ نظيره ويعزّ مثيله.

هذه الأحاديث تدلّ على أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- رأى الصّحب الكرام يمارسون رياضة رفع الأثقال، فلم يَنْهَهُم ولم يُنْكِرْ عليهم فعلهم ذلك، وهذا يُعَدّ إقرارًا من النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- لهم، والإقرار من النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- يجعل الأمر مشروعًا، ولهذا وَصف ابن القيّم -رحمه الله تعالى- هذه الرياضة بأنّها عملٌ مباحٌ.

كما أنّ هذه الأحاديث تُشير بوضوحٍ إلى استثمار النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- للعبة رفع الأثقال والمناخ الريّاضيّ من أجل تشريع الرّوح الرياضيّة وإشاعتها بين الشباب المتنافسين، فالمباريات قد تدفع المتنافسين إلى الغضب؛ فبَيّن لهم أنّ تدريب المسلم نفسه على قوّة البدن لا بُدّ أنْ يَصحبه تدريب النفس على ضبط فورات الغضب والتحلّي بمكارم الأخلاق.

شارك: