النبي صلى الله عليه وسلّم إذ يتابع المصارعة ويشجعها

تاريخ النشر:
2022-09-21 10:35
-
آخر تعديل:
2022-10-12 12:49
لقطة أرشيفية من نزال مصارعة (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

أقيمت في الجاهليّة مباريات المصارعة في أسواق العرب ومناسباتها الكبيرة كسوق عكاظ في مكّة المكّرمة، وتتمّ المقامرة على المصارعين بين سادات قريش، وقد كان في العرب مصارعون أشدّاء يضرب بهم المثل.

وعندما جاء الإسلام لم تُلغَ هذه الرّياضة وإنّما وجّهت بطريقة تُسهم في بناء الإنسان بدنيًّا من جهة، ليمارس النّاس تشجيعها دون الوقوع في شباك المقامرة وصورها من جهة ثانية.

ومن لطائف ما كان يجري في مباريات المصارعة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم، كان يمارس التّشجيع فيها تارة ويشرف على تنفيذها تارة أخرى، إضافة إلى ممارستها.

النبيّ صلى الله عليه وسلّم يتابع المصارعة ويتنافسُ في التّشجيع

جاء في رسالة "المسارعة إلى المصارعة" للإمام السيوطي: "وكان يشاهد المصارعة ويشجع لاعبيها، فقد روى أبو هريرة قال: كان الحسن والحسين يتصارعان بين يدي النبيّ ﷺ، فكان رسول ﷺ يقول: هيّ يا حسن؟ فقال: إنّ جبريل عليه السّلام يقول: هيّ يا حسين، وعن جعفر بن أبي طالب أنّ الحسن والحسين كانا يتصارعان فطلع عليّ رضى الله عنه على رسول ﷺ وهو يقول: ويها الحسن؛ فقال عليّ: يا رسول الله على الحسين، فقالﷺ: إنّ جبريل عليه السلام يقول: ويها الحسين.

وهناك روايةٌ أخرى عن الحسن والحسين وهما يتصارعان بين يدي رسول الله وكانت فاطمة ابنته حاضرة، ومعنى هذه الروايات أنّ الحسن والحسين رضى الله عنهما كانا يتصارعان كثيرًا بين يدي رسول الله ﷺ.

وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه: "كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول ﷺ فكان رسول الله يقول: هَيِّ حسن -بالفتح وتشديد الياء المكسورة؛ اسم فعل لأمر بمعنى أسرع فيما أنت فيه- فقالت فاطمة لم تقل هيّ حسين، قال: إن جبريل يقول هيّ الحسين".

وفى رواية أخرى روى علقمة بن أبي ذر عن عليّ رضى الله عنه من حديث طويل قال: "آخى رسول ﷺ بين الحسن والحسين؛ فجعل رسول الله يقول: يا حسن مرّتين، فقالت فاطمة: يا رسول الله الحسين أصغر منه وأضعف ركنًا منه، فقال لها رسول الله: ألا ترضين أن أقول أنا هيّ يا حسن، ويقول جبريل: هيّ يا حسين".

يتبيّن في هذه الروايات أمور عديدة:

  • أولًا: اهتمام النبيّ ﷺ بالمصارعة؛ إذ كان يشاهدها من أحبّ شخصين إلى قلبه وهما الحسن والحسن رضي الله عنهما مرارًا وتكرارًا.
  • ثانيًا: ضرورة حرص الآباء على البنية البدنيّة القويّة لأبنائهم، وممارسة الرّياضات التي تقوّي أجسادهم، فرسول الله ﷺ كان يشاهد هذا من اثنين من أسباطه وهما في طور التنشئة، وفي هذا دلالة واضحة لحرصه بتنشئتهما على القوّة.
  • ثالثًا: ممارسة النبيّ ﷺ التشجيع في أثناء المصارعة؛ إذ كان يثير حماسة الحسن والحسين من خلال إطلاق عبارات التشجيع التي تثير فيهما الحماسة.
  • رابعًا: ممّا يجعل المباريات ذات روح عالية من المتعة انقسام المشجعين بين الفريقين في التشجيع فكان رسول الله ﷺ يشجع الحسن، وكانت فاطمة رضي الله عنها تشجع الحسين، وتستدر عطف والدها لتشجيعه لكونه الأصغر فيخبرها أنّ جبريل كان يشجع الحسين وهو يتابع المصارعة القائمة.

النبيّ صلّى ﷺ يأمر بالمصارعة ويشرف عليها

أخرج الحاكم في المستدرك على الصّحيحين والبيهقي في السّنن الكبرى عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله ﷺ يعرض غلمان الأنصار في كل عام فيلحق من أدرك منهم، قال: وعرضت عامًا فألحق غلامًا وردّني، فقلت: يا رسول الله لقد ألحقته ورددتني لو صارعتُه لصرعته، فصارعتُه فصرعتُه فألحقَني.

وكان هذا في غزوة أحد إذ ألحّ كلّ من رافع بن خديج وسمرة بن جندب أن يشتركا مع النّبي ﷺ في القتال، وهما يبلغان 15 سنة، فردّهما النّبي ﷺ لصغر سنّهما، فقيل له: "يا رسول الله إن رافعًا رامٍ، فأجازه، فجاء سمرة بن جندب يقول: فأنا والله أصرع رافعًا، فأجازه هو أيضًا"

هذا المشهد يبيّن بجلاء أنّ النبيّ ﷺ كان أمام مشهد فتية أرادوا أن يشتركوا معه في القتال يوم أحد لكنّه ردّهم لصغر سنّهم، فطلب الصحابة استثناءً لرافع بن خديج لأنّه ماهر بالرّماية، فقال سمرة بن جندب إنّه مصارع وبإمكانه أن يغلب رافع بن خديج بالمصارعة؛ فأقام رسول الله ﷺ مباراة علنيّة بالمصارعة بينهما وأشرف عليها، وفعلًا كانت الغلبة لسمرة فأجازه ﷺ واصطحبه معه.

وهكذا كان التميّز في المصارعة معيارًا من معايير القبول في الجيش النبويّ، وينال صاحبه استثناءً خاصًّا إن لم تكن تنطبق عليه شروط السنّ المتعلّقة باللّحاق بجيش النبيّ ﷺ.

كان رسول الله ﷺ يتابع المصارعة ويمارس التشجيع، ويتنافس مع مشجعين آخرين، كما كان يعدّ المصارعة إحدى معايير القبول للانخراط في جيشه، وكلّ هذا كان يفعله رسول الله ﷺ، إذ شرعها الإسلام وجعلها من شرائعه لا مجرّد ألعابٍ إلهائيّة بلا معنى أو رسالة.

شارك: