اهتمامُ النبيّ صلى الله عليه وسلّم بالمبارزة وترغيبه فيها

تاريخ النشر:
2023-01-19 14:05
صورة لممارسة رياضة المبارزة (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

عاش النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- في بيئةٍ تُعلي شأن السّيف، وترى المبارزة عنوان الرّجولة، ويتبارى فيها الرجال بحمل السّيوف وإتقان المبارزة بها، وتتفاخر القبائل بوجود المبارزين وتعدُّهم ثروة رئيسةً للقبيلة؛ فتعامل النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- مع الرياضة القائمة والسلوك الرجوليّ المتمثل بالمبارزة إقرارًا وترشيدًا وتشجيعًا وإشرافًا على ممارسته وتطبيقه.

إذا كانت المبارزة فعالة قديمًا في القتال، فهي حديثًا يكمن في تعلمها فضل الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والتدرب على استخدام السلاح الأبيض ونحوه للدفاع عن النفس عند الضرورة والحاجة إليه.

ورياضة المبارزة من الرياضات المفيدة في تنمية العضلات وتوصف علاجًا للعاهات والتشوهات، وآلام العمود الفقري وغير ذلك من الفوائد، فهي تُكسِب ممارسيها من صفات القوة مثل السرعة والدقة والجَلَد والثقة بالنفس وحُسن التصرف ما يجعلها من الرياضات المفيدة.

وقد ورد في الحديث عن السيف والمبارزة والدّعوة إلى إتقانها العديد من الأحاديث النبويّة منها:

الحديث الأوّل

خرّج البخاريّ ومسلم في صحيحيهما، والرواية هنا للبخاريّ عن عبد الله بن أبي أوفى "إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فِيهَا، انْتَظَرَ حتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ في النَّاسِ خَطِيبًا قالَ: أيُّها النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم".

فالحديث فيه حثّ واضح وظاهر على المبارزة بالسيف عند لقاء العدوّ، وجعل الجنة تحت ظلال السيف، وما دام الأمر كذلك فهذا يتضمن دعوة ضمنيّة إلى إتقان المبارزة التي لا يمكن للمرء التعامل مع السيف وبه إلّا بعد إتقانها.

الحديث الثّاني

ذكر عبد الرّزاق في المصنف عن الحسن البصري أن النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قال: "أَرْدِيَةُ الغُزَاةِ السُّيُوفُ"، وللحديث رواية أخرى هي: "السُّيوف أرديةُ المجاهدين".

وقال في فيض القدير: "السيوف أردية المجاهدين؛ أي: هي لهم بمنزلة الأردية، فلا يطلب للمتقلد منهم بسيف إسبال الرّداء بل يصيره مكشوفًا ليعرَف ويُهاب".

فهذا أحد المعاني التي يتضمنها الحديث، أي أن السيف رداء ينبغي كشفه ليبعث في نفوس النّاظرين الهيبة، ويمكن أن يكون للحديث معنى آخر إضافي وهو أنّ السيف له مكانة ومقام الرداء الذي يستر العورة كما لو أنّ المرء دون سيف ودون قدرة على استخدامه وإتقان المبارزة بها كما لو أنّه مكشوف العورة.

الحديث الثّالث

أخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلّم-: "مَن سَلَّ سَيْفَهُ في سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَقَدْ بايَعَ اللَّهَ".

وفي الحديث رسالةٌ واضحةٌ في أهميّة التعامل مع السيف، وضرورة إتقان المبارزة، فلا يستطيع أن يسلّ السيف إلّا مَن تدرّب على استعمال السيف والمبارزة به، فالحديث يتضمن في معناه فضلًا عظيمًا لمن تدرّب على إتقان المبارزة بالسيف.

الحديث الرّابع

أخرج ابن عدي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مرَّ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ببقيعِ الغَرْقدِ ورجلٌ يسومُ سيفًا فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لا تُغالوا في الحديدِ فإنها مأمورةٌ".

والحديث فيه نهي عن رفع أسعار السّيوف، وذلك لتكون في متناول الجميع ويستطيع أكبر عدد من الناس الحصول عليها، وذلك كي تكون المبارزة ثقافة مجتمعيّة عامة وممارسة هذه الرياضة سلوكًا عامًا يستطيعه عامّة الناس وليس مقتصرًا على النّخبة فقط.

الحديث الخامس

يقول صاحب كتاب "مشارع الأشواق إلى مصارع العشّاق": "ذكر في شفاء الصّدور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال: "فضل صلاة الرجل متقلدًا سيفه في سبيل الله على صلاة الذي يصلي بغير سيف سبعون ضعفًا ولو قلت سبعمائة ضعف لكان؛ ذلك لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنّ الله يباهي بالمتقلّد سيفه في سبيل الله ملائكتَه وهم يصلّون عليه ما دام متقلدًا سيفه".

وهذا الحديث كسابقاته من الأحاديث يتضمّن فضل تعلّم المبارزة وإتقان استخدام السيف، فليس المطلوب هو تقلّد السيف وحمله للزّينة الوهميّة وإنّما هي دعوة للإتقان.

وهذا بمجموعه يدلّ على عظيم اهتمام النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- بالمبارزة ودعوته لتكون ثقافة عامة في المجتمع وترغيبه في تعميم ممارسة هذه الرياضة. 

شارك: