رياضة المبارزة.. ماذا عن مكانة السّيف عند العرب؟

تاريخ النشر:
2023-01-04 16:51
لقطة أرشيفية من بطولة دولية لرياضة المبارزة (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

"لا تزالُ العربُ عربًا ما لبست العمائمَ، وتقلّدت السيوفَ، ولم تعدُد الحِلم ذُلا" هكذا قال الأحنف بن قيس، أحد أبرز سادة العرب الذين يُضرَب بهم المثل في السيادة والحِلم.

اشتق السّيف اسمه من قولهم: ساف ماله، أي هلك، فلما كان السيف سببًا للإهلاك، سُمّي سيفًا، كما أنّ مادة سيف في اللغة العربية تدل على امتدادٍ في شيء، وعلى طول أيضًا، ويجمع على سيوف، وأسياف، والسيّاف: هو صانع السيف وبائعه وحامله، وكذلك الذي يضرب به. يقال: استافوا، أي: امتشقوا سيوفكم، والمُسيف: المتقلّد بالسيف، فإذا ضرب به فهو سائف. ورجل سائف: ذو سيف، وسيّاف: أي صاحب سيف، وجمعها: سيّافة.

وقد عدّد العلماء وأهل اللّغة في العربية للسيف نحو ألف اسم، وبغض النظر عن الخلاف بين أصحاب اللغة في أن للسيف اسمًا واحدًا وما عداه مرادفات له أم هي أسماء قائمةٌ بذاتِها؛ فإنّ كثرة أسماء المسمّى دليل على شرفه وعظمته وعلوّ مكانته، ومن أهمّ الأسماء التي أطلقت على السّيف: الأبيض، الباتر، الباتك، الجرّاز، الحسام، الأخثم، المخدم. وهو أيضًا: صارم، صقيل، قصّال، قرضاب، قاضب، قاطع، هدّام، عطّاف، صقيل، مجرد، مسلول، صمصام.

وكان السّيف لا يغيبُ عن معاركهم الشعريّة كما هو في معاركهم القتاليّة الحماسيّة؛ فنجده حاضرًا في أبياتهم ودفق مشاعرهم؛ فها هو "عنترة" يقول:
ولقد ذكرتُك والرّماح نواهل منّي
وبيضُ الهند تقطرُ من دمي

فوددتُ تقبيلَ السّيوف لأنّها
لمعت كبارق ثغركِ المتبسمِ


وهو القائل كذلك:
حِصاني كانَ دَلّالَ المَنايا
فَخاضَ غُبارَها وَشَرى وَباعَا

وَسَيفي كانَ في الهَيجا طَبيبًا
يُداوي رَأسَ مَن يَشكو الصُداعا

مَلَأتُ الأَرضَ خَوفًا مِن حُسامي
وَخَصمي لَم يَجِد فيها اِتِّساعا

أمّا "عمر بن معديكرب الزبيدي" فيقول متغنيًا بالسيف الهنديّ من بين السيوف:
وتسمع "للهندي" في البيض رنة
كرنة أبكار زُففن عرائسَا

وليسَ أجملَ ولا أبدع من قول عمرو بن كلثوم في السّيوف:
نُطَـاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّـا
وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوْفِ إِذَا غُشِيْنَـا

بسُمرٍ من قنا الخطي لُدنٍ
ذوابل أو ببيضٍ يختلينَا

نشُقُ بها رُؤوس القوم شقًا
ونختلبُ الرقاب فتختلينَا

كأن سُيُوفنا منّا ومنهُم
مخاريقٌ بأيدي لاعبينَا

كأنّا والسُيُوف مُسللاتٌ
ولدنا الناس طُرًا أجمعينَا


وما أجمل وصف "قيس بن الخطيم" تلاعبه بالسيف بمهارة فائقة في المعركة إذ يقول:
ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا
إلى حسب في جذم غسّان ثاقبِ

يجرّدن بيضًا كلّ يوم كريهةٍ
ويغمدن حمرًا خاضبات المضاربِ

أجالدهم يوم الحديقة حاسرًا
كأنّ يدي بالسيف مخراق لاعبِ

بسيفٍ كأنّ الماء في صفحاتِه
طحارير غيمٍ أو قرون جنادبِ

ولكَ أن تشعر بالذّهول أمام وصف "بشّار بن برد" وهو الشّاعر الأعمى لمَعان السيوف في قلب غبار المعركة حين يقول:
وجيشٍ كجنح اللّيل يزحف بالحصى
وبالشوك والخطيّ حمرًا ثعالبُه

غدونا له والشّمس في خدر أمّها
تطالعنا والطلّ لم يجر ذائبُه

كأنّ مثارَ النّقع في رؤوسنا
وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُه

وأمّا "المتنبّي" فإنّه يفاضل بين السيف والرّمح ويقول معيّرًا الرّماح:
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتى طَرَحتَها 
وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ

وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا
مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ

ومثل هذا في إبداع الشّعراء كثيرٌ وما هذا إلّا للتمثيل لا الحصر، وفي حديثٍ من مؤرخ خبيرٍ يقول المؤرّخ المصري عادل أحمد كمال في كتابه "الطريق إلى المدائن" عن السّيف:
"وكانوا لتمكّنهم من استخدامه وألفهم له يقولون عن السّيف: إنّه يُغنى عن غيره، ولا يغنى عنه غيره، ويُعمَل به عمل السّلاح كله، فكانوا يطعنون به كالرّمح ويضربون به كالعمود ويقطعون به كالسّكين ويجعلونه سوطًا ومقرعة، ويتخذونه جمالًا ووجاهة في الملأ، وأنيسًا في الوحدة ورفيقًا للسّائر.

وكان العرب يجيدون استعمالًه ركبانًا ومشاةً وقعودًا وجثيًّا وعلى الرّكب وقد ورد ذكرُ ذلك في قتال القادسيّة وهو أسلوبٌ دفاعيّ في المبارزة، غير أنّه مربك جدًّا لمن لم يألفه ويعجز عن مواجهته، فهو يمكّن صاحبه من إصابة خصمه من أسفل بينما يعجز المبارز الواقف أن يصيب المبارز الجاثي، مثل هذا الأسلوب في المبارزة نلاحظه في يومنا هذا بين المتبارزين بالعصي في لعب التّحطيب المشهور في صعيد مصر وريفها".

ولئن كان هذا يسيرٌ من مكانة السيف عند العرب بين يدي الحديث عن رياضة المبارزة فلا بد من حديثٍ عن مكانة السيف في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهذا ما سيكون ــ بإذن الله تعالى ــ في المقال القادم.

شارك: