كيف مارس النّبيّ صلى الله عليه وسلّم الرّياضة في رمضان؟
خبير التغذية العلاجية الدّكتور رمضان شامية يوضّح في إحدى المقابلات الصحفيّة ما الذي يحصل في جسم الإنسان بدءًا من وجبة السّحور وفي نهار رمضان، ثمّ تأثير وجبة الإفطار الصحيّة على الجسم، قائلًا: "هضم وامتصاص الغذاء الذي يتناوله الصّائم على وجبة السحور الغني بالبروتين والألياف يستغرق من أربع إلى خمس ساعات، يستهلَك طاقةً يحتاج لها الجسم مدة أربع إلى خمس ساعات أخرى".
وفي موضع آخر يقول الدكتور الصيدلاني صبحي العيد: "إنّ الإنسان العادي يحتاج إلى 3000 کالوري في الطّعام في اليوم، يأخذ الجسم ما يحتاجه لتغذية الخلايا ولاستهلاك الطاقة اللازمة للنشاط البدني والفكري ويخزن الباقي في الكبد والعضلات وباقي أجزاء الجسم فهو يخزن في هذه الحالة حوالي 150 ألف کالوري في السّنة؛ لذلك يستطيع الإنسان أن يبقى 50 يومًا منقطع عن الطعام ويعوض ذلك من مخزونه في الجسم".
إنّ عملية هضم الطّعام تحتاج إلى 5 ساعات تليها مرحلة استفادة الجسم من الطعام التي تستغرق 5 ساعات أخرى فيصبح المجموع 10 ساعات وهي المدّة التي يستفيد منها الجسم بعد تناول الطّعام.
إنّ المدّة الزمنية بين أذان الفجر وأذان المغرب هي 12 ساعة تقريبًا وأمّا المدّة بين أذان العصر وأذان المغرب هي ساعتان؛ لذلك فإنّ الصّائم عندما يتناول وجبة السّحور قبل أذان الفجر فإنّ هذه الوجبة سوف تمدّ الجسم بالطّاقة لمدّة 10 ساعات أي حتى وقت العصر لكن يبقى ساعتان قبل موعد الإفطار حيث لن يستفيد الجسم من وجبة السّحور عندئذ يتدخل الجسم ليستفيد من المخزون السنوي الذي يقدر 150 ألف کالوري"
هذه المعلومات الصحيّة بالغة الأهميّة تجعلنا نتساءل هل كان يمارس رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيّ رياضة في رمضان وفي أيّ وقتٍ وما هي الكيفيّة؟
لقد ورد في صحيح البخاري حديث عن عبد الله بن أبي أوفى: "سِرْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ لو أمْسَيْتَ؟ قالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ ثُمَّ قالَ: إذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أقْبَلَ مِن هَا هُنَا، فقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ وأَشَارَ بإصْبَعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ".
وهذا الحديث يساق لبيان أفضليّة تعجيل الإفطار وهو يبيّن أيضًا أنّ مسير النبيّ صلى الله عليه وسلّم كان عقب العصر، وهذا المسير كان في سفرٍ وهو على الخيل؛ وركوب الخيل من الرياضات المهمّة التي يمكن أن يمارسها الإنسان وهو صائمٌ عقب العصر.
كما ورد في بعض الآثار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يمشي وهو صائم بعد العصر مقدار قراءة الزّهراوين. وفي هذه الآثار إجابةٌ عن هذه الأسئلة، كما أنّ المعلومات الصحيّة التي ذكرتها آنفًا تفيد في فهمها من منظور صحيّ.
فالرياضة التي كان يمارسها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو صائم هي المشي وركوب الخيل، وما يزال الأطباء يوصون الصّائمين بعدم ممارسة الرياضات العنيفة المرهقة جدًا أثناء الصوم وينصحونهم أن تكون الرياضة هي المشي أو الهرولة الخفيفة أو ركوب الخيل.
وأمّا التوقيت الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلّم للمشي وركوب الخيل في رمضان فهو عقب العصر وقبل المغرب وهو التوقيت الذي حدده خبراء الصحة بوصفه أفضل الأوقات للمشي أو ممارسة الرياضات الخفيفة في أثناء الصيام وهو الأكثر نفعًا للجسم.
وأمّا المدة فهي مدة قراءة الزهراوين، والزهراوان هما سورتا البقرة وآل عمران؛ أي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم كان يستثمر المشي في تلاوة كتاب الله تعالى وهي رسالة لمن يمارسون رياضة المشي في رمضان أن يستثمروا هذا الوقت الذي يمارسون فيه الرياضة بتلاوة كتاب الله تعالى أو بسماع آيات القرآن الكريم وهم يضعون السماعات في آذانهم.
وإذا أردنا حساب مدة تلاوة الزهراوين بقراءة الحدر فهي تقارب ساعةً إلى ساعةٍ وربع من الزمن. فهكذا يمكننا القول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يمارس رياضة المشي ورياضة ركوب الخيل وهو صائم ويختار لهذا وقت ما بعد العصر وقبل المغرب لمدة تتراوح بين ساعةٍ وساعة وربع من المشي.
ويجدر بنا هنا التذكير بكيفيّة المشي الذي كان يمشيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد شرح ذلك تفصيلًا الإمام ابن قيم الجوزيّة في كتابه الرائع "زاد المعاد في هدي خير العباد" إذ يقول: "كَانَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، وَكَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ مِشْيَةً، وَأَحْسَنَهَا، وَأَسْكَنَهَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، وَإِنَّا لَنُجْهِدَ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ".
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ"، وَقَالَ مَرَّةً: "إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ"، قُلْتُ: وَالتَّقَلُّعُ الِارْتِفَاعُ مِنَ الْأَرْضِ بِجُمْلَتِهِ، كَحَالِ الْمُنْحَطِّ مِنَ الصَّبَبِ، وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعَزْمِ وَالْهِمَّةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَهِيَ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ، وَأَرْوَحُهَا لِلْأَعْضَاءِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ مِشْيَةِ الْهَوَجِ وَالْمَهَانَةِ وَالتَّمَاوُتِ، فَإِنَّ الْمَاشِيَ إِمَّا أَنْ يَتَمَاوَتَ فِي مَشْيِهِ، وَيَمْشِيَ قِطْعَةً وَاحِدَةً، كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَحْمُولَةٌ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ قَبِيحَةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ بِانْزِعَاجٍ وَاضْطِرَابٍ مَشْيَ الْجَمَلِ الْأَهْوَجِ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى خِفَّةِ عَقْلِ صَاحِبِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ حَالَ مَشْيِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ هَوْنًا، وَهِيَ مِشْيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، كَمَا وَصَفَهُمْ بِهَا فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" الفرقان:63، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ، وَلَا تَمَاوُتٍ، وَهِيَ مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ كَانَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، حَتَّى كَانَ الْمَاشِي مَعَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَنَّ مِشْيَتَهُ لَمْ تَكُنْ مِشْيَةً بِتَمَاوُتٍ، وَلَا بِمَهَانَةٍ، بَلْ مِشْيَةٌ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ".
فهكذا كان يمشي رسول الله صلى الله عليه وسلّم في رمضان وغيره وهو صائم وهو مفطر وفي أحواله كلّها.