المجلس الأولمبي الآسيوي.. من المهد إلى طلال الفهد

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-07-14 15:24
الكويتي طلال الفهد الرئيس الجديد للمجلس الأولمبي الآسيوي (twitter/AsianGamesOCA)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

الأعمال العظيمة تبدأ عادةً بفكرة، والمجلس الأولمبي الآسيوي بدأ بفكرة من وحي بنات أفكار الشهيد الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، وانتهى بتحويله إلى مؤسسة رياضية عملاقة تُدار من الكويت.

ولأن النخلة والبحر عاملان كبيران من عوالم الحضارة والوعي والتنمية الروحية المستدامة، شكلا وعي الشهيد الشيخ فهد الأحمد، فقد حمل الرجل جينات خير النخلة وعطاء البحر بين جوانحه، فنفخ من روحه المتوثبة في نخلة المجلس الأولمبي الآسيوي، فأنتجت أسرابًا من نخيل تستظل تحت ظلالها مؤسسة عملاقة تضم أكثر من 46 دولة.

وإذا كان الشهيد الشيخ فهد الأحمد يبدو مثل الساعة البيولوجية المركبة في جسد المجلس الأولمبي الآسيوي منذ المهد، فإن أبناءه استلهموا من روحه حتمية منح هذا المجلس قبلة الحياة، فكان خلفه الشيخ أحمد الفهد ميقاتيًا زئبقيًا صان أمانة الشهيد، وهو يجسد حقيقة أنه عامل كيميائي زاد من سرعة التفاعلات والوظائف الحيوية للمجلس الأولمبي لأكثر من عشرين عامًا.

تقاعد الشيخ أحمد الفهد تحت ضغط سنة التغيير، وكان عليه أن يفسح المجال أمام ثقافة التعبير ديمقراطيًا، فجاء انتخاب الشيخ طلال الفهد في بانكوك انتصارًا لقيم وعطاء الشيخ الشهيد ونجله، ولو لم يفعل الآسيويون غير هذا لكانوا من الظالمين.

بالتأكيد لست محظوظًا إذا لم تكن قد تابعت تفاصيل السباق على مقعد رئاسة المجلس الأولمبي الآسيوي في بانكوك، ليس لأن السباق بين المرشحَين الكويتيَين الشيخ طلال الفهد والأستاذ حسين المسلم كان ساخنًا مليئًا بدراما التقلبات التي تحبس الأنفاس، ولكن لأن الصراع الذي كان أخلاقيًا بين الطرفين انتهى بعناق حار بين الفائز والخاسر، في صورة ارتقت بالديمقراطية الحقيقية.

وصحيح أن السباق بدا في أوقات كثيرة هادئًا خاليًا من الإثارة الهتشكوكية، غير أن السباق احتدم كثيرًا في الأيام الأخيرة، مما جعل المنافسة بين الشيخ طلال والأستاذ حسين أقرب إلى معركة، استخدم فيها الطرفان نفوذهما قاريًا، لكن من دون اللجوء إلى سياسة الضرب من تحت الحزام.

واللافت للنظر في نتيجة الانتخابات الساخنة أن التكافؤ كان واضحًا بين الطرفين، ولولا الجزئيات الصغيرة التي تفنن في استثمارها السلف الشيخ أحمد الفهد لمصلحة شقيقه بحكم خبرته الطويلة في فنون التكتيك الانتخابي، لوجد الناخبون صعوبة في تفضيل هذا على ذاك.

فاز الشيخ طلال الفهد على الأستاذ حسين المسلم بـ24 صوتًا مقابل 20، فوز دراماتيكي بفارق ضئيل جاء بعد لحظات عصيبة لم يكن يتصورها المنافس حسين المسلم.

أعجبني في هذه الانتخابات الاستثنائية بحق وحقيقة أن القارة الصفراء رغم أنها انقسمت بين المتنافسَين الكويتيَين، فإن هذا الانقسام الحميد كشف عن حجم ومكانة الشيخ طلال الفهد والأستاذ حسين المسلم قاريًا، ولعل الشيخ طلال أدرك مكانة منافسه، فاختاره نائبًا فخريًا، في بادرة أخوية تنم عن معدن وأصالة الفائز، ستمنح ولا شك العمل الأولمبي بُعدًا فلسفيًا جديدًا يصب في خانة تفعيل كل قنوات المجلس بحركة مصحوبة بالبركة.

في تصوري أن الأستاذ حسين المسلم بعد خبرة عمل دامت لأكثر من 40 عامًا، عاصر فيها لحظة مخاض المجلس الأولمبي مع الأب الشرعي لهذا المجلس الشهيد فهد الأحمد، ثم كان أحد أبرز عوامل نموه وترعرعه في كنف الشيخ أحمد الفهد، لن يأخذ على خاطره أو يتذمر من النتيجة، لأنها بالفعل كانت عادلة ومنطقية، أنصفت تضحيات الشهيد فهد الأحمد في قبره.

لقد كان الشيخ طلال الفهد ذكيًا في تعاطيه مع الانتصار الصعب على بلدياته، ليس لأنه قدّر مشاعر منافسه فحسب، ولكن لأنه ببصيرته ووقاره، كان واقعيًا وهو يشكر من صوتوا له، ويتعهد بالعمل والعطاء لكسب ود الذين لم يصوتوا له.

ولا أرى الشيخ طلال الفهد إلا صادقًا وهو يفتح صفحة بيضاء جديدة مع الجميع، فاتحًا الباب أمام كل من يرغب في تقديم إضافة للعمل الأولمبي الآسيوي، فالشيخ طلال لم يتبرم من الذين رفضوا الصويت له، ولم يقل فيهم ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي في عامية بيرم التونسي، لكنه وعد بالرد عمليًا دون تصفية حسابات مع أي جهة.

ومن يقول إن الأستاذ حسين المسلم كابر وعاند وتحدى ولم ينسحب أمام طوفان معسكر الشيخ طلال مخطئ تمامًا، من منطلق أن إصرار المسلم على المنافسة بشرف وأمانة دون التخلي عن أنصاره في القارة حتى آخر نفس، عمل ديمقراطي نظيف يستحق الإشادة.

أصدقكم القول إن العبد لله سعيد و"آخر انبساط" من استمرار المجلس الأولمبي الآسيوي في عهدة أسرة الشهيد فهد الأحمد، وشعوري هذا لا يُفسَر على أنه تعصب للشيخ طلال، لكنه يتناغم تمامًا مع كفاءة ومؤهلات هذا الرجل الذي صقلته التجارب والعبر، وبصماته على الرياضة الكويتية -رغم ما تعرض له من حروب طاحنة- لا ينكرها إلا جاحد.

ومثلما أنا معجب بشخصية الشيخ طلال وحجم خبراته الإدارية المتراكمة، لا شك أيضًا أنني معجب كثيرًا بهذا الكويتي النابه في مجال الإدارة الرياضية الأستاذ حسين المسلم، الذي يتبوأ مناصب دولية وقارية رفيعة ترفع رأس كل كويتي صفق لفوز الشيخ طلال.

بعض الذين يضيقون ذرعًا بالديمقراطية البناءة تحت مبرر أنهم يتعرضون للإحراج وتدخلات فوقية، كانوا يتمنون انسحاب أحد المرشحين كي تحتكر التزكية المشهد، على قاعدة كفى الله المؤمنين شر القتال، لكن أصحاب هذا الطرح تواروا خجلًا وكسوفًا أمام العرس الديمقراطي الفريد، الذي انتهى بتهنئة الخاسر للفائز بكل روح رياضية.

وكم كان مشهد الانتخابات في بانكوك جميلًا وحضاريًا ومنضبطًا، راعى خصوصية العيش والملح، بدليل أن عملية التصويت جرت في أجواء مثالية دون ضجيج أو طعون أو صراخ، في موقف أكد أن دولة الكويت الرائدة في مجال الديمقراطية قدّمت للعالم درسًا يجب على الجميع استيعابه.

تأملت السيرة الذاتية للشيخ طلال بعناية، وقرأتها حرفًا حرفًا، وقادتني تأملاتي نحو سؤال كبير مفاده: لماذا لا يكون عندنا عدد أكبر من هذا الرجل الصنديد الذي لا تلين عزيمته، حتى لا يبقى وحيد زمانه؟ 

وعفوًا يا سادة، أنا لا أبخس الآخرين في آسيا بيارقهم، ولكن ما يفعله الشيخ طلال جدير بالتأمل والمناقشة.. لقد كسب الشيخ طلال معركته الآسيوية بكل اقتدار، تمامًا مثلما كسب الكثير من القضايا الرياضية الشائكة في الكويت، لأن له أسلوبه الخاص في رسم الهدف والسعي إلى تحقيقه.

كما أن "كاريزما" الشيخ طلال مؤثرة ونافذة، بالإضافة إلى أنه رجل مثقف وملتزم دائمًا بتطوير مداركه ومعارفه، فهو دائم المطالعة والقراءة المتعمقة في المجال الإداري ومتغيراته.

وأكثر ما يثير الإعجاب في شخصية رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي الجديد، حضوره الذهني المتوقد، والشحذ المستمر للذاكرة، والجرأة في اتخاذ القرارات المصيرية دونما اعتبار للمجاملات.

ويا زملاء وأصدقاء الشيخ طلال لا تتذمروا مني لأني وضعت سليل الحسب والنسب وابن (الريايل) في مكانة خاصة، فالأمر لا يعدو كونه مجرد تذكير بحاجتكم لأن تغبطوه، ولا أقول تحسدوه.

شارك: