الاضطباع والرّمَل في الطواف حول الكعبة رياضة استعراض القوّة
إذا قدم المعتمر أو الحاج مكّة المكرمة فإنّه يبدأ بالطواف بالبيت العتيق وأول ما يبدأ به طوافه هو الاضطباع والرّمل.
الاضطباع هو: أن يُدخل الرجل رداءه الذي يلبسه تحت منكبه الأيمن، فيلقيه على عاتقه الأيسر، وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة، ويطلق عليه: التأبّط، أو التوشح، أي أنّ الاضطباع يمثّل بشكلٍ عملي حالة استعراض العضلات.
والاضطباع في طواف القدوم، مستحبّ، عند جمهور الفقهاء، فقد روى ابن ماجه والترمذي وأبو داود بسند صحيح "عن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعًا، وعليه برد".
وعند الإمام أحمد: "لمّا قدم مكة طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي".
وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، اعتمروا من جعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى"، فإذا فرغ من الطواف، سوّاه، فجعله على عاتقيه.
أمّا الرمَل؛ فهو الهرولة، وأحسن بيان لمعنى الرمل قول صاحب النهاية: رمل يرمل رملًا ورملانًا: إذا أسرع في المشي، وهز كتفيه.
والرَّمل سنة من سنن الطواف، يسنّ في الأشواط الثلاثة الأولى من كل طواف بعده سعي، وعليه جمهور الفقهاء، وسنية الرمل هذه خاصة بالرجال فقط دون النساء.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبّ ثلاثًا، ومشى أربعًا، وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة"، وفي رواية: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشى أربعًا".
والأصل في تشريع الاضطباع والرّمل هو إظهار قوة المسلمين وإعلان عزّتهم في المحافل كلِّها وهذا من أهمّ من المقاصد التي أمر بها الشَّارع ودعا إليها، وإنّ سبب تشريع الاضطباع والرّمَلِ دليلٌ واضحٌ على أهمية إظهار شَوكة المسلمين وقوتهم أمام عدوّهم.
فعن ابن عباس قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه مكَّة وقد وهنتهم حمّى يثرب، قال المشركون: إنَّه يقدم عليكم غدًا قومٌ وهنتهم الحمّى ولقوا منها شِدَّة، فجلسوا مما يلي الحجر وأمرهم النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلَدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أنّ الحمّى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا، قال ابن عبَّاس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلَّها إلا الإبقاء عليهم".
وقد ذكر ابن كثير في سيرته واصفًا المشهد الذي جرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "صفّوا له عند دار النَّدوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلمَّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ثم قال: "رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة".
وكذلك أخرج التِّرمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إنَّما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالبيت وبين الصفا والمروة ليُري المشركين قوته". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. فإظهارُ قوة المسلمين أمام المشركين مقصدٌ محمود من مقاصد الشّرع، وهذا المقصد يتمّ تحقيقه عبر رياضة الرّمل أي الهرولة مع استعراض العضلات؛ فهو إظهار قوة بلا حرب، وعزّةٍ بلا مواجهة.
وقد ذكر الفقهاءُ استحبابَ استذكار هذه المعاني التي شرعت لأجلها هذه المناسك قال الإمام الرملي: "والحكمة في استحباب الرَّمل مع زوال المعنى الذي شرع لأجله أن فاعله يستحضر به سبب ذلك وهو ظهور أمرهم فيتذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله".