الاستعراض الرياضي بالحراب احتفالا باستقبال النبي عليه السلام

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-05-04 15:32
الاستعراض الرياضي بالحراب من أبرز الوسائل التي استخدمها العرب منذ القدم للاحتفال والتعبير عن الفرحة (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

اللّعب بالحراب كان عادةً منتشرةً عند العرب في الجاهليّة، وكانوا يتفاخرون به في الاحتفالات العامّة، وكانت الأسواق الثقافيّة؛ مثل سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز ودومة الجندل وغيرها، تستفتح بعدد من الاستعراضات الرياضيّة من بينها اللعب بالحِراب.

ومن أهمّ المناسبات عند المسلمين على الإطلاق هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلّم من مكّة المكرمة إلى المدينة المنوّرة، فهي مناسبة مفصليّة ليس في تاريخ الإسلام فحسب بل لا نبالغ إن قلنا: إنّها المناسبة المفصليّة في تاريخ البشرية؛ إذ نقلت الإسلام من طور الدعوة إلى طور الدّولة، وأعلنت تشكيل أول كيان سياسيّ للمسلمين منه انطلق الإسلام إلى الدّنيا كلّها.

وبعد خروج النبيّ صلى الله عليه وسلّم من مكّة المكرّمة مع صاحبه أبي بكر الصّديق رضي الله عنه ونجاته من أيدي المشركين وسيوفهم، علم المسلمون -بطبيعة الحال- بخروج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة متوجهًا إليهم، فكانوا ينتظرون ويترقبون وقت قدوم النّبي صلى الله عليه وسلم للمدينة بلهفة ومشاعرَ ممزوجةٍ بالشوق والقلق والخوف عليه من أن يدركه المشركون أو يصيبه مكروه في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، وكانوا يخرجون كلّ يومٍ في الصباح الباكر إلى ظاهر المدينة، ينتظرون وصوله صلوات ربّي وسلامه عليه، حتى إذا اشتدّ الحرّ عليهم عادوا إلى بيوتهم.

قال عروة بن الزبير: "سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرَّة، فيتنظرونه حتى يردّهم حرّ الظّهيرة، فانقلبوا يومًا بعد ما أطالوا انتظارهم، فلمّا أوَوا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه مبيّضين يزول بهم السّراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السّلاح".

قال ابن القيم: "وسمعت الرّجّة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبّر المسلمون فرحًا بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقّوه وحيّوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله، والسّكينة تغشاه، والوحي ينزل عليه: "فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ".

هكذا كانت الفرحة باستقباله صلى الله عليه وسلّم، وفي خضمّ هذه الفرحة الغامرة وتعبيرًا صادقًا عنها جرى استعراضٌ رياضيّ؛ احتفالًا بقدومه صلى الله عليه وسلّم ووصوله بالسّلامة إلى المدينة المنوّرة، وهذا الاستعراض الرياضيّ كان لعبًا بالحِراب، وقد نقل لنا المشهد أنس بن مالك رضي الله عنه فيما رواه أبو داود في سننه بسندٍ صحيح؛ قال: "لمّا قدم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ؛ لعبت الحبشةُ بحِرابهم فرحًا لقدومِه"، وفي لفظٍ آخر صحيح للحديث: "لمّا قدِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، لعبتِ الحبشةُ لقدومِه فرحًا بذلك، لعبوا بحرابِهم".

فهذا الحديث صريحٌ واضح أنّ من وسائل التعبير عن الفرحة باستقبال النبيّ صلى الله عليه وسلّم كان الاستعراض الرياضي باللعب بالحراب بين يديّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم.

وما دام أنّ هذا الفعل قد تمّ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسكت عنه، فهذا إقرارٌ منه صلى الله عليه وسلّم على صحّة الفعل، فدلّ ذلك على مشروعيّة الاستعراض الرياضيّ من خلال اللعب بالحراب وإظهار براعة استخدامها احتفالًا باستقبال الشخصيّات الكبيرة لتكريمها أو استقبال الأحباب المقربين لإظهارًا للفرح بقدومهم وتعبيرًا عن محبّتهم واللّهفة عليهم.

وما تزال هذه الرياضة مستخدمةً في الكثير من بلدان المسلمين في الاحتفالات والأعراس واستقبال الحجيج تعبيرًا عن الفرح والمحبّة، وهي وإن كانت عادةً في أصلها ممتدّة إلى الجاهليّة غير أنّ إقرار النبيّ صلى الله عليه وسلّم حوّلها إلى رياضةٍ مشروعةٍ في الإسلام يتفاخر بها المسلمون ويعبّرون من خلالها عن محبّتهم وأفراحهم على اختلاف الأزمنة والأمكنة.

شارك: