رياضة اللعب بالحِراب والرّماح.. حديثٌ عن معاني الحربة
عندما نتحدث عن الرماح أو الحِراب فنحن نتحدّث عن جزء أصيل من شخصيّة الإنسان العربيّ عبر التاريخ، والحربة كانت جزءًا أساسيًّا من لباسه فهي تصاحبه في حركته كلّها؛ في حلّه وترحاله وزياراته وأفراحه وأتراحه؛ فضلًا عن كونها من أدوات الحرب، فهي في الحرب من سلاح الفرسان والمشاة على السواء، وعندما يتحدث العرب في آدابهم المختلفة عن الفروسيّة فإنّهم يذكرون أربعة أنواع للفروسيّة، وتحضر الحراب والرّماح واللعب بها واستخدامها في صنوف الفروسيّة وهي؛ الكرّ والفرّ بالخيل، والرّمي بالقوس، والمطاعنة بالرماح، والمداورة بالسيوف؛ فمن استكملها فقد استكمل الفروسية، أي لا يعدّ الفارس عند العرب مستكملًا فروسيّته إلّا إذا أتقن اللعب والطعن بالحراب والرّماح.
والحربَة حاضرةٌ في ثقافتنا الاجتماعيّة والرياضيّة إلى اليوم، وهي في اللغة تعني: "آلةٌ قصيرةٌ من الحديد محدودة الرأَس، تُسْتعمل في الحرْب والجمع؛ حَرَبات وحَرْبات وحِراب".
وفي كرة القدم يحضر مصطلح "رأس الحربة" وهو كما جاء تعريفه في المعاجم المعاصرة: "رأَس الحَرْبة؛ لاعب مهاجم في كرة القدم يقود الفريق في منطقة المناورات أمام مرمى الخصم، مهمَّته إحراز الأهداف ومراوغة المدافعين".
وهناك من المتخصصين في كرة القدم من ذهب إلى التفريق بين المهاجم العادي وبين رأس الحربة وقد أطلق عليه "المهاجم الصّريح" فقال: "ولعل أبرز الأخطاء الشائعة في كرة القدم الحديثة، تلك التي تتعلق بمصطلحيْ المهاجم ورأس الحربة.
يمكن القول: إنّ المهاجم الصّريح أو رأس الحربة هو اللّاعب الحاضر في مقدمة الفريق -المتمركز في منطقة جزاء الخصم إن تحرينا الدقة- ويكون التركيز منصبًّا طوال مجريات المباراة على إيصال الكرة إليه، بحيث تكون أدواره الرئيسيّة مقتصرة على إدخال الكرة إلى شباك الخصم، أو على الأقل أن تكون له بصمةٌ في معظم الأهداف، حتى لو فُرضت عليه رقابة لصيقة من الخصم، وهو ما يحتم عليه أن يكون بمواصفات معينة تساعده في إحداث التغيير على أرض الملعب وكذلك تنفيذ أفكار المدرّب".
وكما يحضر مصطلح رأس الحربة في كرة القدم وألعاب الرياضة؛ فإنّه يستخدم أيضًا في الأعمال الحربيّة والقتاليّة ويقصد به: "قسمٌ من جهاز عسكريّ يعمل مباشرة ضدّ العدوّ".
كما أنّ الحربة ما تزال حاضرةً في السلاح على الرغم من تقدّمه فنجدها مثبتةً في مقدمة البنادق؛ ويطلق عليها "الحربةُ أو السُّونكي أو سكين البندقية، وهو سكينٌ أو خنجرٌ يُثبَّت إمّا حولَ فوهة البندقيّة أو فيها، أو أيّ سلاحٍ ناريّ مماثلٍ، لاستعمالِ السلاح رمحًا تُستَعملُ عادةً للقتالِ عن قربٍ أو سلاحَ الملاذِ الأخير".
والمصطلح المعاصر للحربة أو الرماح في الأسلحة هو "السّلاح الأبيض"، وقد عرّفت الموسوعة القانونيّة السلاح الأبيض بقولها إنه: "مصطلح يتمّ استخدامه على مجموعة من الأسلحة اليدويّة غير الناريّة التي تستخدم للهجوم والدفاع وقد تكون أداة للقتل، وهي غير محدّدة بلون معين وكلمة بيضاء تشير لنوعها وليس للونها؛ كونها لا تدخل ضمن الأسلحة الناريّة".
وقد ورد لفظ الحربة في الكتاب المقدّس عند الحديث عن طعن السيّد المسيح وقد أطلق عليها لفظ "الحربة المقدّسة". ووفق العقيدة المسيحية في صلب السيد المسيح فحربة المسيح أو الحربة المقدسة هو اسم الحربة التي طعن بها جنب المسيح كما يذكر إنجيل يوحنا، فقط الحربة ولا ذكر لها في الأناجيل القانونية الأخرى.
يروي الإنجيل أن الرومان أرادوا كسر ركب يسوع من أجل تسريع موته لكنهم اكتشفوا أنه ميت؛ لذا لم يفعلوا ذلك وللتأكد من موته قام جندي بطعن يسوع بحربة "لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ" (يوحنا 19: 34).
هذه معانٍ يسيرة للحربة الحاضرة في الألعاب الرياضيّة والثقافة المجتمعيّة ويدلّ حضورها على امتدادها المعرفيّ والثقافي من الزمن القديم زمن المسيح عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا.