استعراض رياضي في المسجد بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلّم

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-05-20 12:44
صورة للمسجد النبوي بالمدينة المنورة (wmn.gov.sa)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

من الشّجاعة والدّين تعلّم الرياضات المختلفة من السّبق والرّمي والسباحة، وسائر أنواع الرياضة البدنيّة، والمؤمن القويّ الشّجاع المعتني بقوّته ولياقته البدنيّة والرّوحيّة أحب إلى الله من المؤمن الضعيف الجبان الخائر، ولن يدفع الله غائلة الأعداء وكيدهم ومكرهم وشرّهم، ويحفظ الدين والكرامة والحقوق إلا بالعزائم الماضية، والنفوس الأبيّة، والسواعد القوية، والأبدان المُعدّة بعناية، ولذلك يأمر الإسلام بالمسابقة، ويحث على الرمي، ويأذن في الرهان، ومصارعة الأقران.

وكذلك كانت المناسبات الاجتماعيّة كالأعياد ميدانًا لإظهار الفرح والسرور من خلال الاستعراضات الرياضيّة، التي تجمع بين الإعداد البدنيّ على القوّة والتعبير المعنوي عن الفرح والصورة الجمالية الماتعة.

ومن هذه المشاهد تنفيذ مجموعة من الأحباش استعراضًا رياضيًّا في المسجد النبويّ في أحد الأعياد، وقد حضره النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- مع زوجته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد كان مشهد حضورهما مجلّلًا بالهيبة مسكونًا بالحبّ في صورة فذّة تعجز عن وصفها أقلام الأدباء.

فقد أخرج البخاريّ ومسلم في صحيحيهما عن عروة بن الزبير؛ إذ قال: قالت عائشة: "والله لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم؛ يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكونَ أنا التي أَنصرف؛ فاقدُروا قدر الجارية الحديثة السّن حريصةً على اللّهو".

وفي تفاصيل أكثر للحادثة أخرج النسائيّ بسندٍ صحيح عن عائشة زوج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي: "يا حميراء أتحبّين أن تنظري إليهم؟" فقلت: نعم، فقام بالباب وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "حسبك" فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: "حسبك" فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: ومالي حب النظر إليهم، ولكننّي أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه.

في هذا المشهد، نفذ مجموعة من الأحباش استعراضًا رياضًيا، فيه اللعب بالحِراب في ثاني أقدس مكان عند المسلمين، وهو المسجد النبويّ، ويحضر الاستعراض الرسول_ صلى الله عليه وسلّم_ فيكون هذا إقرارًا منه صلى الله عليه وسلّم للفعل ومشروعيّته، بل يحضره النبيّ- صلى الله عليه وسلّم- مع زوجته الشّابة عائشة -رضي الله عنها- في إقرار للمشاركة العائليّة والأسريّة والنسائيّة في متابعة هذه الاستعراضات الرياضيّة، بل أكثر من ذلك، كان التطويل في المشاهدة والمتابعة منه -صلى الله عليه وسلّم- إكرامًا لأمنا عائشة رضي الله عنها، فما أعظم دلالة هذا وما أبلغ معناه!

.

قال النووي -رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث: "فيه جواز اللّعب بالسّلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المُعِينة على الجهاد".

وأمّا ابن حجر العسقلاني، فقد قال في فتح الباري: "واللّعب بالحِراب ليس لعبًا مجردًا، بل فيه تدريب الشّجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو، وقال المهلب: المسجد موضوعٌ لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدّين وأهله، جاز".

وقال القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: "والحبشة يلعبون؛ الجملة حالية، بالحِراب بكسر الحاء؛ جمع الحربة وهي: رمح قصير، في المسجد، أي في رحبة المسجد المتصلة به وكانت تنظر إليهم من باب الحجرة وذلك من داخل المسجد فقالت: في المسجد، لاتصال الرحبة به، أو دخلوا المسجد لتضايق الموضع بهم، وإنما سُومِحوا فيه، لأن لعبهم بالحراب كان يُعدّ من عدّة الحرب مع أعداء الله تعالى فصار عبادةً بالقصد كالرمي، قال تعالى جلّ جلاله: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة".

لقد كان استعراضًا رياضيًّا جمع بين المتعة والإعداد، وبين اللعب والقوة، وبين تقدير المرأة وإشراكها في تفاصيل الحياة العامة، فكان مشهدًا يستحقّ الاستحضار في كلّ مناسبة رياضيّة وميدان للمتعة والقوّة.

شارك: