33 عامًا على مأساة "هيلزبره".. يوم حزين لليفربول وكرة القدم
يوافق الجمعة 15 أبريل/ نيسان 2022 الذكرى 33 على أحد أكثر المشاهد الحزينة والمروعة في لعبة كرة القدم، حيث وقعت كارثة "هيلزبره"، التي راح ضحيتها 96 مشجعًا من جماهير نادي ليفربول عام 1989، أثناء حضورهم لقاء فريقهم أمام نوتنغهام فورست في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي.
وكانت مباراة ليفربول ونوتنغهام فورست مُقامة على ملعب "هيلزبره"، معقل نادي شيفيلد وينزداي، أقدم فريق في تاريخ إنجلترا، وقد تسبب التدافع والحواجز الحديدية في وفاة 96 شخصًا من أنصار "الريدز"، واستمرت التحقيقات في هذه القضية المثيرة للجدل على مدار سنوات، حيث وُجهت الاتهامات إلى الشرطة الإنجليزية وإلى إدارة الملعب.
وتسبب اليوم الحزين في تغيير المشهد الجماهيري الإنجليزي لاحقًا، حيث تمت إزالة الحواجز من الملاعب، كما أُزيل السياج المحيط بالمدرجات، وكذا السياج الجانبي، مما حول كل الفراغات إلى مقاعد للجماهير، وأصبحنا نرى الجماهير قريبة للغاية من الملعب خلال مباريات الكرة في إنجلترا.
ماذا حدث في مأساة هيلزبره؟
كان ملعب "هيلزبره" لا يتسع إلّا لنحو 35 ألف مشجع، ولكن الاتحاد الإنجليزي قرر استضافته لمواجهة ليفربول ونوتنغهام فورست، وتم تخصيص المدرج الأيمن لأنصار ليفربول، وكان صغيرًا يتسع فقط لاستضافة 16 ألف مشجع، وهو بالتأكيد لا يناسب جماهير الريدز التي رافقت فريقها إلى الملعب بأعداد مهولة تعدت بكل تأكيد العدد المسموح في المدرج.
وعقب 3 دقائق من صافرة بداية اللقاء، تدافع عشاق ليفربول للدخول إلى الملعب، ولم يعد المدرج يتحمل الأعداد التي فاقت سعته، وسط غياب واضح للتنظيم، ورفض من الشرطة لفتح المدرجات للجماهير.
ومع الاكتظاظ والتدافع، بدأت جماهير ليفربول تختنق، وتبحث عن وسيلة للهرب، ما أدى إلى إصابة عدد كبير من الحضور، وخصوصاً الصغار منهم، وفي تلك الفترة، لم تكن مدرجات الملاعب الإنجليزية مفتوحة، بل كانت مُسيّجة، وكان هذا السياج الحديدي سببًا في تفاقم الكارثة، إذ تسبب بمقتل عدد إضافي من المشجعين.
كيف كانت التحقيقات في حادثة هيلزبره؟
عقب الحادثة المروعة، اهتز الرأي العام الإنجليزي، ورفعت الملكة إليزابيث الثانية التعازي إلى الشعب البريطاني، بعد مقتل 96 شخصًا وإصابة أكثر من 700 آخرين، وقال المدير التنفيذى لاتحاد الكرة الإنجليزي آنذاك، غراهام كيلي، إن الاتحاد سيجري تحقيقاً في ما حدث.
وبدأت التحقيقات، وأخذت التقارير حول الحادث تتوالى، وكانت الشرطة مصرّة على أن جماهير ليفربول سبب الحادث، وأنها كانت سكارى، ولم تلتزم بالهدوء، وأثارت الشغب، إلى أن تم تعيين اللورد بيتر موراي تايلور لتولي مهمة التحقيق في الحادث، وبعدها في يناير/ كانون الثاني 1990، أصدر تايلور تقريرين عن الحادث في بيان رسمي، أكد فيهما أن ملعب "هيلزبره" لم يكن مناسباً لاستضافة المباراة، كما دان الشرطة ووصفها بـ"السيئة".
وألقى تقرير "تايلور" بالاتهام على الشرطة البريطانية التي عجزت عن السيطرة على الوضع، وكانت سببًا في حدوث الكارثة، وأشار إلى أن المباراة كان يجب تأجيل موعد انطلاقها، خاصة أن ذلك بحسب التقرير سبق حدوثه في مواقف أخرى.
كما نال نادي شيفيلد، مُستضيف المباراة، نصيبه من الاتهامات، وتعرض للنقد؛ لأن البوابات الدوارة المسؤولة عن إخراج الجماهير في نهاية المباراة لم تكن كافية، ما تسببت في تدافع الجماهير وهو ما أدى إلى المشهد الحزين في النهاية.
وجاء في التقرير أيضًا أن بعضاً من جماهير ليفربول كانوا سكارى عندما حضروا للملعب، لكن تايلور أوضح في تقريره أن هذا كان عاملا ثانويا، مع التأكيد على أن أغلب المشجعين لم يكونوا سكارى.
وألقى تايلور باللوم على الشرطة البريطانية، مؤكدًا أنها حاولت تبرير فشلها في السيطرة على الأمر ومنع حدوث الكارثة بتضخيم الأمر المتعلق بأن الجماهير كانت سكارى، نافيا ما قيل عن اتهام الجماهير بأنهم حاولوا الدخول للملعب من دون تذاكر.
فتح التحقيقات مرة أخرى في حادثة هيلزبره
وعقب تقرير تايلور، ضغط أهالي الضحايا وجماهير ليفربول من أجل إعادة فتح التحقيقات، وتواصل الأمر على مدار سنوات، وبالفعل أثمرت هذه الضغوط في عام 2012، حيث تم إعلان براءة جماهير ليفربول بشكل رسمي في بيان صادر عن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
وأكد كاميرون أن جماهير ليفربول ذهبت ضحية الافتراء عليها، معترفًا أمام مجلس العموم البريطاني بأن الشرطة أخفت الحقائق والأدلة التي تدينها، إلى جانب افتقادها معايير اختيار الملعب الذي يفتقر إلى السلامة والأمان في مباراة كبيرة.
وقال كاميرون حينها: "أعتذر بشدة.. بالنيابة عن هذا البلد أقدم اعتذاري الشديد والعميق عن الظلم الذي تعرضت له أسر الضحايا.. كان ظلماً مزدوجاً، جماهير ليفربول لم تكن السبب في الكارثة".
وفي العام 2016، أظهر التحقيق الأخير براءة جمهور ليفربول من جميع التهم المنسوبة إليه، بعد أن قضت هيئة المحلفين بأن مشجعي الفريق قُتلوا بشكل غير قانوني، بسبب عدم التنظيم وإهمال الشرطة وعناصر الإسعاف في أداء وظيفتهم.
كما أكدت التحقيقات أن تصميم ملعب هيلزبره كان سببًا في الازدحام، وأشار إلى أن الجماهير لم تكن مسؤولة عن هذه الظروف على الإطلاق، وتمت إدانة رئيس الشرطة السابق، السير نورمان بيتيسون، و4 أشخاص آخرين بارتكاب جرائم تتعلق بالمأساة.
ضحايا كارثة هيلزبره في ذاكرة ليفربول
في مثل هذا اليوم (15 أبريل) من كل عام، اعتادت جماهير ليفربول أن تملأ الشوارع وتجتمع في ملعب "أنفيلد"، كخطوة لتكريم هؤلاء الضحايا، وتقوم بزيارة النصب التذكاري في ملعب "أنفيلد"، والنصب التذكاري في حديقة روز هيلزبره التذكارية في ميرسيسايد.
وبالإضافة إلى ذلك هناك نصب تذكاري يحتوي على أسماء جميع الضحايا في ملعب أنفيلد معقل ليفربول، كما يوجد نصب تذكاري برونزي بارتفاع 7 أقدام في حي هاي ماركت في ليفربول تم الكشف عنه في عام 2013، وعليه عبارة "كارثة هيلزبره.. سنتذكرها".
هذه القصة بالطبع تشكل مأساة في تاريخ كرة القدم، وستبقى بكل تأكيد في قلوب عشاق ليفربول، وسيبقى هذا اليوم يلفه الحزن من أطرافه كافة، وتظلله غيمة سوداء، لكن مع هذا فإنه يشكل أيضًا جزءًا من تاريخ النادي، وعاملاً إضافياً يوطد العلاقة بين ليفربول وأنصاره.