يفتوشينكو.. وصيّة أمي أهجر الشعر وأحترف كرة القدم!

تاريخ النشر:
2023-03-18 13:02
-
آخر تعديل:
2023-03-18 15:24
الراحل دييغو أرماندو مارادونا أسطورة الأرجنتين يحمل كأس العالم 1986 (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

«لا أعرف كتابة قصيدة دون الاستمتاع بكرة القدم.. هنالك موسيقى غريبة تجمع بين الشعر وتلك الساحرة» على هذه الصيغة المثالية الوارفة بالصور الدلالية المسوّرة بالجمال، يضبط واحد من أشهر الشعراء الروس إيقاع علاقته مع كرة القدم.  

إنه ألكسندروفيتش يفتوشينكو (1933/2017) واحد من ألمع الشعراء في تاريخ روسيا الحديث، وقد ترجمت كتبه إلى أكثر من سبعين لغة، ونشرت في عدد كبير من الدول بما فيها الوطن العربي. وقد كان عضو شرف في «أكاديمية الفنون الأميركية»، وعضوًا فعليًا في «الأكاديمية الأوروبية للفنون والعلوم». بدأ بالنشر في سن مبكرة، وتعتبر نتاجاته الأولى متابعة لنهج أكاديمي روسي عالي الخصوصية.

ظهر أول دواوينه الشعرية عام 1949 وتتالت أعماله الشعرية مثل «الثلج الثالث» و«الوعد» في الخمسينات كنموذج مجدد نسبيًا يظهر اهتمامه بالحياة المعاصرة الجديدة وهمومها، ويوجه انتقاداته للحياة العبثية غير الهادفة وللبيروقراطية. كان النقّاد يعتبرون شعره في مرحلة الستينات تمثيلًا لما يسمى بالقصيدة الصاخبة والجماهيرية، وقد أظهر تفاعلًا واضحًا مع الحس الإنساني في تلك المرحلة.

كلّ ذلك المنجز لم يثنه عن عشق الساحرة المستديرة، بل استلهم صراحةً منها عبر مشوار إبداعي طويل، محبوك بصدق النوايا، وتبادل الشغف مع اللعبة التي أثرّت فيه، وأخذت منه كلّ اهتمامه لدرجة فضلّها عن الشعر غالبًا. القصة طويلة من الحب والاحتراف أيضًا لدرجة أن الشاعر الروسي كاد في بدايات مشواره أن يصبح نجمًا رياضيًّا كحارس مرمى، وشهدت المساحات البيضاء الشاسعة المطلّة على بهاء الثلج في سيبيريا، وتحديدًا في مدينته سيما تألقًا مترفًا لهذا الحارس.

كلّ ذلك يصوغه الرجل في سيرته الذاتية التي نشرها لاحقًا في الصحافة الفرنسية، والتي تعتبر رغم ما تعرّضت له من نقد بمثابة نداء إنساني موغل، وآلة زمن دقيقة، يستدير بها نحو الخلف، ويخطف من لحظاته الأرشيفية الآسرة بحنين مفرط!
ويعلّق حرفيًّا: «لقد شجعّتني والدتي على احتراف كرة القدم، وعندما تركتها غضبت.. ليتني سمعت كلامها، فلو واظبت لأصبحت أكثر نجومية من بيكنباور، أو مارادونا! كنت سأصنع تاريخًا مغايرًا لحراس المرمى» فيما يستطرد في يومياته شرح حواراته مع والدته عن هذا الأمر فيقول: «لم تكن أمي تريد تحت أي ظرف أن أصبح شاعرًا، ليس عن قلة تذوّق أدبي وعدم ميل إلى الشعر، بل لأنها كانت تعرف مصير الشعراء الروس المفجع وكانت تتوسّل إليَّ باستمرار كي أهتم بشيء جديّ، لكن ذلك بالنسبة لي بكل أسف كان هو الشعر بالذات.. وعندما علمت أمي أن أول قصيدة ستُنشر لي في الصحف قالت بأسى ممزوج بحزن واضح: مسكين أنت يا ولدي لقد ضعت الآن نهائيًّا».

فيما تعرج التفاصيل التوثيقية عن حياته وعلاقته بكرة القدم، معتبرة بأنها واحدة من أهم الشواهد عن عمق الصلة بين الأدب والفن من جهة، وكرة القدم من جهة ثانية. وتورد بأن يفتوشينكو كان مدمنًا في مراهقته على لعب كرة القدم، ويوزّع وقته ليلًا لكتابة الشعر والشغل الأدبي، وفى النهار يلعب كرة القدم في الساحات العمومية والشوارع، وغالبًا ما عاد مدمى القدمين وممزّق الثياب كأنه اختصار مكثّف لرحلة ملايين الأطفال حول العالم الذين لعبوا الكرة في الأزقة والشوارع!

لكن الشاعر الروسي الشهير ترك الملاعب وتفرّغ للشعر، فيما ظلّ قلبه معلقًا بالمستطيلات الخضراء، لدرجة أن صوت الكرة كان يؤثر فيه بأسلوب موغل العمق ويشعره كأنه عزف موسيقي آسرة، وكان يقول عن ذلك: «إن هناك شيئًا مشتركًا بين كرة القدم والشعر» وليس في ذلك مبالغة أو مزايدة رومانسية تجافي الواقع إنما تمهيد صريح للوصول إلى ذروة العشق واستخلاص الحكم من فلسفة اللعبة إذ كان يقول في مقاربة منجز لاعبي كرة القدم الماهرين، مع الشعراء الموهوبين: «إذا سجّل اللاعب هدفًا؛ فإن الأمر يحتاج جدلاً على موهبته.. الكرة في الشبّاك، وعلى من يرى غير ذلك أن يقول!! وعلى العكس من ذلك؛ فإن على الشاعر أن ينتظر الكثير ليثبت أن كرته أصابت الهدف».

فيما ينحو باتجاه التهكّم على نقاد الأدب والشعر بسبب بعض التقييمات المزيفة بالقول إنهم أحيانًا يحتسبون لبعض الشعراء أهدافًا لم يسجلّوها!

شارك: