يا ناس يا عسل.. مانشستر سيتي وصل..!

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-19 19:19
مانشستر سيتي الرهيب في طريقه لإكتساح كل الألقاب(Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

مباراة مانشستر سيتي وريال مدريد في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا على ملعب الاتحاد، فجرت مشاهد غريبة ملتهبة مثيرة وقاتلة، ليس لأنها قدمت مانشستر سيتي فريقا استثنائيا في كل شيء فقط، ولكن لأن الغول السماوي هرب بكل مساحات الضوء، واضعا ريال مدريد في حرج شديد أمام عشاقه.

عندما عاد مانشستر سيتي من ملعب ريال مدريد بالتعادل الإيجابي، وضع المدرب الإسباني العبقري بيب غوارديولا كوابيس الموسم الماضي المزعجة و المفزعة جانبا، و تفرغ فقط لكيفية الإجهاز على كارلو أنشيلوتي إيابا بأي ثمن. 

في مباراة سنتياغو برنابيو تنازل مانشستر سيتي عن جماليات اللعب مكتفيا بالبحث عن نتيجة تبقيه على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة، لكن في مباراة الإياب انقلب السحر على الساحر، وتدفق سيل مانشستر سيتي هجوما كاسحا جرف كبرياء ريال مدريد، و عبث به في ليلة ليلاء تحول فيها الميرنغي إلى ريشة في مهب الريح. 

خاض مانشستر سيتي شوطا أول جمع بين الفاعلية الهجومية والصلابة الدفاعية، ساردا لنا رواية استحواذ رهيبة، مع عملية ضغط مروعة جعلت البناء الخلفي المتصدع لريال مدريد في خبر كان.

ولولا أننا بالفعل كنا شهودا عيان على احتفالية سماوية من طرف واحد لما صدقنا أن ريال مدريد بكل حمولته التقنية كان مثل الحمل الوديع، لا حول له و لا قوة مستسلما لعاصفة السيتي من دون أن يلجأ لبعض أسلحة الطوارئ، وقد كانت قليلة ومحدودة على أي حال.

لم يكن غوارديولا ليحرك الخيل والبارود ويفتك من دون رحمة بكل أسلحة كارلو أنشيلوتي لولا وجود عاملين مهمين، الأول: السيتي بتشكيلة 3/2/4/1 أمكن له السيطرة تماما على منطقة وسط الملعب، و أصبح من السهل عليه تنويع مصادر التهديد، كما أن هذا الأسلوب المرن في عناصره البشرية أتاح للسيتي حرية ممارسة عمليتي الامتداد والارتداد بليونة مزدوجة، وهي معادلة شائكة في كرة القدم لا تتوفر سوى لفريق يمتلك طاقة ذهنية عالية. 

 الثاني: الفارق الفني بين لاعبي الريال والسيتي بدأ واضحا للعيان، ليس لأن أنشيلوتي اعتنق خطة لعب مكشوفة الأوراق خالية من أي طموحات فنية فحسب، ولكن لأن البناء التكتيكي للريال تصدع من العمق من دون سابق إنذار، فأصبح اللقاء في يد غوارديولا.

كان واضحا أن معركة ملعب الاتحاد ستؤول إلى الفريق الذي يحسن السيطرة على وسط الملعب، وقد كان لاعبو السيتي يخنقون اللعب بالضغط العالي برباعي هجومي يمنع لاعبي ريال مدريد من الخروج الآمن بالكرة من منطقة الجزاء.

مرة أخرى لعبت الفوارق الذهنية دورا بارزا في تعرية بناء ريال مدريد المهلهل طولا وعرضا وارتفاعا، و ما جسد الفارق بين المدربين غوارديولا وأنشيلوتي عملية تتعلق ببناء اللعب ونهجه وفي سرعة استعادة الكرة وتدويرها.

نجح غوارديولا نجاحا ساحقا في تحد تكتيكي جديد ومثير للجدل، فقد وصل إلى وسط المنتخب الفرنسي السحري في منتصف الثمانينيات، ولم يجرؤ مدرب على محاكاة أسلوب المدرب الفرنسي الشهير ميشيل هيدالغو الذي توج رفقة الديكة الفرنسية بيورو عام 1984 بباريس، بفضل طريقة لعب تعتمد على ستة لاعبين في الوسط. 

أعاد غوارديولا مفكرته الفنية والتكتيكية إلى رشدها بمتغير تكتيكي يتسم بالخداع والبراعة، كان (بيب) كمن يلعب على رقعة الشطرنج، هو لم يأت بما لم تأت به الأوائل، لكنه فقط أقدم على نقلة تكتيكية رهيبة قضت نهائيا على الملك المدريدي من حيث لا يدري أنشيلوتي.

حرك غوارديولا بيدقه جون ستونز ليؤدي دور محور الوسط المخرب والهدام إلى جوار المقاتل الشرس رودري، فترتب على هذا المتغير الذكي اللعب بثلاثة مدافعين: كايل ووكر و روبن دياز و مانويل أكانجي.

كان غوارديولا قارئا جيدا لأفكار أنشيلوتي العتيقة الذي راهن بغباء على وسط ميدان مترهل غير قادر على كسب الصراعات البدنية، لهذا السبب عزز ثلث وسطه الهجومي برباعي من نار؛ برناردو سيلفا يمينا وجاك غريليتش يسارا، وترك مهمة التدوير من العمق للفراشتين إيلكاي غوندوغان وكيفن دي بروين.

ولم تكن مهمة العملاق إيرلينغ هالاند إطلاق الروائح الكريهة لإحداث تنافر بين المتنافرين أصلا إيدير ميليتاو والكهل دافيد ألآبا، لكنها كانت مهمة استطلاعية تبدأ وتنتهي عند الضغط على قلبي دفاع الريال ومنع الحارس كورتوا من ممارسة دور كاشف الذبذبات من الخلف.

وبهذا الإجراء التكتيكي، تمكن السيتي من إفراغ ريال مدريد من حصانته التكتيكية ومحتواه الفني، ولو أرادها السيتي مهزلة على الهواء وفضيحة مدريدية، لكان في وسعه تعميق فارق الأربعة أهداف بأخرى مثلها.

فاجأ مدرب المنتخب الفرنسي السابق ميشيل هيدالغو العالم بطريقة لعب جديدة وسط ملعب يتكون من ستة لاعبين، كان هذا الأسلوب يتسم بالدهاء، وهدفه الاستفادة من براعة القائد ميشيل بلاتيني ومنحه حرية التدفق الانسيابي من الخلف، مستغلا دور المهاجم برنارد لاكومب الذي كان يلعب وقتها دور قنطرة عبور قوات بلاتيني إلى المرمى.

وبفضل هذه الطريقة التي كانت انقلابا كبيرا في تكتيك كرة القدم آنذاك، تمكن ميشيل بلاتيني من تسجيل تسعة أهداف كاملة في خمس مباريات فقط، قادت الديوك لتحقيق أول لقب أوروبي كبير عام 1984.

غوارديولا لا يمتلك لاعبا ذهبيا بنفس مؤهلات و قدرات وبراعة الأسطورة الذهبية بلاتيني كي يؤدي دورا مزدوجا كهداف بارع وصانع ألعاب قدير يجبره على تعطيل الحس التهديفي لهالاند، لهذا كان حل هذه المعضلة جماعيا عن طريق تبادل الأدوار بين رباعي المقدمة، فجاءت الأهداف عبر سيلفا (هدفان)، وقطريا عبر ميليتاو (هدف عكسي)، و عمقا عبر انتهازية البديل الخطير ألفاريز.

على الورق كل شيء يشير إلى أن موسم مانشستر سيتي مع غوارديولا يسير على ما يرام نحو تحقيق ثلاثية تاريخية قد تصبح فيما بعد سداسية تحاكي سداسية برشلونة عام 2009 تحت إشراف غوارديولا نفسه، لكن منطقيا حلم امتلاك الثلاثية (الدوري والكأس ودوري الأبطال) يحتاج إلى استنفار شامل يحافظ على نفس المنحنى البياني ويجنب السيتي المفاجآت غير المتوقعة، والأهم أن يستوعب غوارديولا درس خسارته لدوري الأبطال أمام تشيلسي عام 2021 حتى لا يضع أوزار فريقه بعد كل هذا العناء حيث حطت (أم قشعم) رحلها.

شارك: